بسم الله الرحمن الرحیم تمهید           در اين جلسه استاد گرانقدر به بررسی اقوال مختلف در حجیت قول و فعل معصوم – علیه السلام – پرداختند و ضمن بیان روایاتی در این خصوص از منابع شیعه و سنی، تحلیل نهایی از قاعده لاضرر را به استناد فرمایشات مرحوم امام خمینی – رحمت الله علیه- ایراد نمودند.   بیان دیدگاه اهل سنت در مساله           -  السنن الكبرى - البيهقي ج 7   ص 61 : ( أخبرنا ) أبو على الروذبارى وأبو الحسين بن بشران قالا ثنا اسمعيل بن محمد الصفار ثنا احمد بن منصور نا عبد الرزاق ( ح وأخبرنا ) أبو الحسن محمد بن الحسين بن داود العلوى انا أبو القاسم عبد الله ( 1 ) بن ابراهيم بن بالويه المزكى ثنا احمد ابن يوسف السلمى ثنا عبد الرزاق أنبأ معمر عن همام بن منبه قال هذا ما حدثنا أبو هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم انى اتخذت عندك عهدا لن تخلفه انما انا بشر فاى المؤمنين آذيته أو شتمته أو جلدته أو لعنته فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة تقربه بها يوم القيامة ، لفظ حديث السلمى - رواه مسلم في الصحيح في بعض النسخ عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق واخرجاه من حديث ابن المسيب عن أبى هريرة – ( أخبرنا ) أبو عبد الله الحافظ وابو سعيد بن أبى عمرو قالا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا احمد بن عبد الجبار ثنا أبو معاوية عن الاعمش عن أبى صالح عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم ايما مؤمن سببته أو جلدته أو لعنته فاجعلها له زكاة ورحمة ، وعن الاعمش عن أبى سفيان عن جابر مثله وزاد فيه زكاة واجرا - رواه مسلم في الصحيح عن أبى بكر بن أبى شيبة وأبى كريب عن أبى معاوية – ( وأخبرنا ) أبو عبد الله الحافظ وابو بكر بن الحسن القاضى وابو سعيد بن أبى عمر قالوا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا العباس ابن محمد الدوري نا حجاج الاعور قال ابن جريج اخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول انما انا بشر وانى اشترطت على ربى أي عبد من المسلمين ضربته أو شتمته ان يكون ذلك زكاة واجرا - رواه مسلم في الصحيح عن هارون بن عبد الله وغيره عن حجاج – -  السنن الكبرى - البيهقي ج 2   ص 330 : باب لا تبطل صلوة المرء بالسهو فيها ( اخبرنا ) أبو الحسين على بن محمد بن عبد الله بن بشران العدل ببغداد انبأ اسمعيل بن محمد الصفار وابو جعفر محمد بن عمرو الرزاز قالا ثنا سعدان بن نصر ثنا محمد بن عبيد عن مسعر عن منصور عن ابراهيم عن علقمة عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انما انا بشر انسى كما تنسون ( 1 ) فايكم شك في صلوته فلينظر احرى ذلك إلى الصواب فليتم عليه ويسجد سجدتين * اخرجه مسلم من حديث مسعر بن كدام واخرجه البخاري من وجه آخر عن منصور ابن المعتمر -  السنن الكبرى - البيهقي ج 2   ص 343 : ( وقد اخبرنا ) أبو عبد الله الحافظ انبأ أبو عبد الله محمد بن يعقوب ثنا يحيى بن محمد بن يحيى ثنا منجاب بن الحارث التميمي ثنا على بن مسهر عن الاعمش عن ابراهيم عن علقمة عن عبد الله قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فزاد أو نقص قال ابراهيم والوهم منى فقيل يا رسول الله ازيد في الصلوة شئ فقال انما انا بشر انسى كما تنسون فإذا نسى احدكم فليسجد سجدتين وهو جالس ثم تحول رسول الله صلى الله عليه وسلم فسجد سجدتين * رواه مسلم في الصحيح عن منجاب بن الحارث وفي هذا الحديث وفي حديث الاسود عن عبد الله ان سجوده كان بعد قوله انما انا بشر وقد مضى في رواية منصور وعن ابراهيم مادل على انه صلى الله عليه وسلم سجد اولا ثم سلم ثم اقبل على القوم وقال ما قال. -  سنن ابن ماجة - محمد بن يزيد القزويني ج 2   ص 825 : باب تلقيح النخل  2470 - حدثنا على بن محمد . ثنا عبيدالله بن موسى ، عن إسرائيل ، عن سماك ، أنه سمع موسى بن طلحة بن عبيدالله يحدث عن أبيه ، قال : مررت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في نخل . فرأى قوما يلقحون النخل . فقال " ما يصنع هؤلاء ؟ " قالوا : يأخذون من الذكر فيجعلونه في الانثى قال " ما أظن ذلك يغنى شيئا " . فبلغهم ، فتركوه . فنزلوا عنها . فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال " إنما هو الظن . إن كان يغنى شيئا فاصنعوه . فإنما أنا بشر مثلكم . وإن الظن يخطئ ويصيب . ولكن ما قلت لكم : قال الله - فلن أكذب على الله " . 2471 - حدثنا محمد بن يحيى . ثنا عفان . ثنا حماد . ثنا ثابت عن أنس بن مالك ، وهشام ابن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع أصواتا . فقال " ماهذا الصوت ؟ " قالوا : النخل يؤبرونها . فقال " لو لم يفعلوا لصلح " فلم يؤبروا عامئذ فصار شيصا . فذكروا للنبى صلى الله عليه وسلم فقال " إن كان شيئا من أمر دنياكم ، فشأنكم به . وإن كان من أمور دينكم ، فإلى " . -  صحيح مسلم - مسلم النيسابوري ج 2   ص 84 : حدثنا جرير عن منصور عن ابراهيم عن علقمة قال قال عبد الله صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابراهيم زاد أو نقص فلما سلم قيل له يا رسول الله أحدث في الصلاة شئ قال وما ذاك قالوا صليت كذا كذا قال فثنى رجليه واستقبل القبلة فسجد سجدتين ثم سلم ثم اقبل علينا بوجهه فقال انه لو حدث في الصلاة شئ انبأتكم به ولكن انما انا بشر انسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني وإذا شك احدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم ليسجد سجدتين. -  صحيح مسلم - مسلم النيسابوري ج 2   ص 85 : حدثنا جرير عن الحسن بن عبيدالله عن ابراهيم بن سويد قال صلى بنا علقمة الظهر خمسا فلما سلم قال القوم يا ابا شبل قد صليت خمسا قال كلاما فعلت قالوا بلى قال وكنت في ناحية القوم وانا غلام فقلت بلى قد صليت خمسا قال لى وانت ايضا يا اعور تقول ذاك قال قلت نعم قال فانفتل فسجد سجدتين ثم سلم ثم قال قال عبد الله صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا فلما انفتل توشوش القوم بينهم فقال ما شأنكم قالوا يارسول الله هل زيد في الصلاة قال لا قالوا فانك قد صليت خمسا فانفتل ثم سجد سجدتين ثم سلم ثم قال انما انا بشر مثلكم انسى كما تنسون وزاد ابن نمير في حديثه فإذا نسى احدكم فليسجد سجدتين. وحدثناه عون بن سلام الكوفى اخبرنا أبو بكر النهشلي عن عبد الرحمن بن الاسود عن ابيه عن عبد الله قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا فقلنا يارسول الله أزيد في الصلاة قال وما ذاك قالوا صليت خمسا قال انما انا بشر مثلكم اذكر كما تذكرون وانسى كما تنسون ثم سجد سجدتي السهو وحدثنا منجاب بن الحارث صفحة 86 : التميمي اخبرنا ابن مسهر عن الاعمش عن ابراهيم عن علقمة عن عبد الله قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فزاد أو نقص قال ابراهيم والوهم منى فقيل يارسول الله أزيد في الصلاة شئ فقال انما انا بشر مثلكم انسى كما تنسون فإذا نسى احدكم فليسجد سجدتين وهو جالس ثم تحول رسول الله صلى الله عليه وسلم فسجد سجدتين. -  صحيح مسلم - مسلم النيسابوري ج 7   ص 95 : ( حدثنا ) قتيبة بن سعيد الثقفى وابو كامل الجحدرى وتقاربا في اللفظ وهذا حديث قتيبة قالا حدثنا أبو عوانة عن سماك عن موسى بن طلحة عن ابيه قال مررت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم على رؤس النخل فقال ما يصنع هؤلاء فقالوا يلقحونه يجعلون الذكر في الانثى فيتلقح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اظن يعنى ذلك شيئا قال فاخبروا بذلك فتركوه فاخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال ان كان ينفعهم ذلك فليصنعوه فانى انما ظننت ظنا فلا تؤاخذوني بالظن ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئا فخذوا به فانى لن اكذب على الله عزوجل. ( حدثنا ) عبد الله بن الرومي اليمامى وعباس بن عبد العظيم العنبري واحمد بن جعفر المعقرى قالوا حدثنا النضر بن محمد حدثنا عكرمة ( وهو ابن عمار ) حدثنا ابو النجاشي حدثنى رافع بن خديج قال قدم نبى الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يأبرون النخل يقولون يلقحون النخل فقال ما تصنعون قالوا كنا نصنعه قال لعلكم لو لم تفعلوا كان خيرا فتركوه فنفضت أو فنقصت قال فذكروا ذلك له فقال انما انا بشر إذا امرتكم بشئ من دينكم فخذوا به وإذا امرتكم بشئ من رأيى فانما انا بشر قال عكرمة أو نحو هذا قال المعقرى فنفضت ولم يشك. ( حدثنا ) أبو بكر بن ابى شيبة وعمرو الناقد كلاهما عن الاسود بن عامر قال أبو بكر حدثنا اسود بن عامر حدثنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن ابيه عن عائشة وعن ثابت عن انس ان النبي صلى الله عليه وسلم مر بقوم يلقحون فقال لو لم تفعلوا لصلح قال فخرج شيصا فمر بهم فقال ما لنخلكم قالوا قلت كذا وكذا قال انتم اعلم بامر دنياكم -  صحيح مسلم - مسلم النيسابوري ج 8   ص 24 : ( حدثنا ) زهير بن حرب حدثنا جرير عن الاعمش عن ابى الضحى عن مسروق عن عائشة قالت دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان فكلماه بشئ لا ادرى ما هو فاغضباه فلعنهما وسبهما فلما خرجا قلت يا رسول الله من اصاب من الخير شيئا ما اصابه هذان قال وما ذاك قالت قلت لعنتهما وسببتهما قال أوما علمت ما شارطت عليه ربى قلت اللهم انما انا بشر فاى المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة واجرا. ( حدثناه ) أبو صفحة 25 : بكر بن ابى شيبة وابو كريب قالا حدثنا أبو معاوية ح وحدثناه على بن حجر السعدى واسحاق بن ابراهيم وعلى بن خشرم جميعا عن عيسى بن يونس كلاهما عن الاعمش بهذا الاسناد نحو حديث جرير وقال في حديث عيسى فخلوا به فسبهما ولعنهما واخرجهما. ( حدثنا ) محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا ابى حدثنا الاعمش عن ابى صالح عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم انما انا بشر فايما رجل من المسلمين سببته أو لعنته أو جلدته فاجعلها له زكاة و رحمة. ( حدثنى ) هارون بن عبد الله وحجاج بن الشاعر قالا حدثنا حجاج بن محمد قال قال ابن جريج اخبرني أبو الزبير انه سمع جابر بن عبد الله يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول انما انا بشر وانى اشترطت على ربى عزوجل أي عبد من المسلمين سببته أو شتمته ان يكون ذلك له زكاة واجرا. ( حدثنى ) زهير بن حرب وابو معن الرقاشى ( واللفظ لزهير ) قالا حدثنا عمر بن يونس حدثنا عكرمة بن عمار حدثنا اسحاق بن ابى طلحة حدثنى انس بن مالك قال كانت عند ام سليم يتيمة وهى ام انس فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم اليتيمة فقال آنت هيه لقد كبرت لا كبر سنك فرجعت اليتيمة إلى ام سليم تبكى فقالت ام سليم مالك يا بنية قالت الجارية دعا على نبى الله صلى الله عليه وسلم ان لا يكبر صفحة 27 :  سنى فالآن لا يكبر سنى ابدا أو قالت قرنى فخرجت ام سليم مستعجلة تلوث خمارها حتى لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك يا ام سليم فقالت يا نبى الله أدعوت على يتيمتي قال وما ذاك يا ام سليم قالت زعمت انك دعوت ان لا يكبر سنها ولا يكبر قرنها قال فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال يا ام سليم اما تعلمين ان شرطى على ربى انى اشترطت على ربى فقلت انما انا بشر ارضى كما يرضى البشر واغضب كما يغضب البشر فايما احد دعوت عليه من امتى بدعوة ليس لها باهل ان تجعلها له طهورا وزكاة وقربة يقربه بها منه يوم القيامة وقال أبو معن يتيمة بالتصغير في المواضع الثلاثة من الحديث. -  صحيح البخارى - البخاري ج 1   ص 104 : عن محمد بن عبد الرحمن عن جابر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى على راحلته حيث توجهت فإذا اراد الفريضة نزل فاستقبل القبلة حدثنا عثمان قال حدثنا جرير عن منصور عن ابراهيم عن علقمة قال قال عبد الله صلى النبي صلى الله عليه وسلم قال ابراهيم لا ادرى زاد أو نقص فلما سلم قيل له صفحة 105 : يا رسول الله احدث في الصلاة شئ قال وما ذاك قالوا صليت كذا وكذا فثنى رجله واستقبل القبلة وسجد سجدتين ثم سلم فلما اقبل علينا بوجهه قال انه لو حدث في الصلاة شئ لنبأتكم به ولكن انما انا بشر مثلكم انسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني وإذا شك احدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم يسلم ثم يسجد سجدتين. الشفا بتعريف حقوق المصطفى القاضي عياض ج 2 ص 178: الباب الثاني: فيما يخصهم في الأمور الدنيوية وما يطرأ عليهم من العوارض البشرية قد قدمنا أنه صلى الله عليه وسلم و سائر الأنبياء والرسل من البشر وأن جسمه وظاهره خالص للبشر يجوز عليه من الآفات والتغييرات والآلام والأسقام وتجزع كأس الحمام ما يجوز على البشر وهذا كله ليس بنقيصة فيه لأن الشئ إنما يسمى ناقصا بالإضافة إلى ما هو أتم منه وأكمل من نوعه وقد كتب الله تعالى على أهل هذه الدار فيها يحيون وفيها يموتون ومنها يخرجون وخلق جميع البشر بمدرجة الغير.  فقد مرض صلى الله عليه وسلم واشتكى وأصابه الحر والقر وأدركه الجوع والعطش ولحقه الغضب والضجر وناله الإعياء والتعب ومسسه الضعف والكبر وسقط فجحش شقه وشجه الكفار وكسروا رباعيته وسقى السم وسحر وتداوى واحتجم وتنشر وتعوذ ثم قضى نحبه فتوفى صلى الله عليه وسلم ولحق بالرفيق الأعلى وتخلص من دار الامتحان والبلوى وهذه سمات البشر ________________________________________ [ 179 ] التى لا محيص عنها و أصاب غيره من الأنبياء ما هو أعظم منه فقتلوا قتلا وررموا في النار ورنشروا بالمناشير ومنهم من وقاه الله ذلك في بعض الأوقات ورمنهم من عصمه كما عصم بعد نبينا من الناس فلئن لم يكف نبينا ربه يد ابن قمئة يوم أحد ولا حجبه عن عيون عداه عند دعوته أهل الطائف فلقد أخذ على عيون قريش عند خروجه إلى ثور وأمسك عنه سيف غورث وحجر أبى جهل وفرس سراقة ولئن لم يقه من سحر ابن الأعصم فلقد وقاه ما هو أعظم من سم اليهودية وهكذا سائر أنبيائه مبتلى ومعافى وذلك من تمام حكمته ليظهر شرفهم في هذه المقامات ويبين أمرهم ويتم كلمته فيهم وليحقق بامتحانهم بشريتهم ويرتفع الالتباس عن أهل الضعف فيهم لئلا يضلوا بما يظهر من العجائب على أيديهم ضلال النصارى بعيسى ابن مريم وليكون في محنهم تسلية لأممهم ووفور لأجورهم عند ربهم تماما على الذى أحسن إليهم.  قال بعض المحققين وهذه الطوارى والتغييرات المذكورة إنما تختص بأجسامهم البشرية المقصود بها مقاومة البشر ومعناة بنى آدم لمشاكلة الجنس وأما بواطنهم فمنزهة غالبا عن ذلك معصومة منه متعلقة بالملأ الأعلى والملائكة لأخذها عنهم وتلقيها الوحى منهم قال وقد قال صلى الله عليه وسلم (إن عينى تنامان ولا ينام قلبى) وقال (إنى لست كهيئتكم إنى أبيت يطعمنى ربى ويسقيني) وقال (لست أنسى ولكن أنسى ليستن بى) فأخبر أن سره وباطنه وروحه خلاف جسمه وظاهره وأن الآفات التى تحل ظاهره من ضعف وجوع وسهر ________________________________________ (قوله ووشروا) يقال أشرت الخشبة إشراء ووشرتها وشرا: إذا شققتها، مثل نشرتها، والمئشار بالهمزة: المنشار بالنون، وقد تترك الهمزة (*) ________________________________________ [ 180 ] ونوم لا يحل منها شئ باطنه بخلاف غيره من البشر في حكم الباطن لأن غيره إذا نام استغرق النوم جسمه وقلبه وهو صلى الله عليه وسلم في نومه حاضر القلب كما هو في يقظته حتى قد جاء في بعض الآثار أنه كان محروسا من الحدث في نومه لكون قلبه يقظان كما ذكرناه وكذلك غيره إذا جاع ضعف لذلك جسمه وخارت قوته فبطلت بالكلية جملته وهو صلى الله عليه وسلم قد أخبر أنه لا يعتريه ذلك وأنه بخلافهم لقوله (إنى لست كهيئتكم إنى أبيت يطعمنى ربى ويسقيني وكذلك أقول إنه في هذه الأحوال كلها من وصب ومرض وسحر وغضب لم يجر على باطنه ما يخل به ولا فاض منه على لسانه وجوارحه ما لا يليق به كما يعترى غيره من البشر مما نأخذ بعد في بيانه فصل.  فإن قلت فقد جاءت الأخبار الصحيحة أنه صلى الله عليه وسلم سحر كما حدثنا الشيخ أبو محمد العتابى بقراءتي عليه قال نا حاتم بن محمد نا أبو الحسن على بن خلف نا محمد بن أحمد نا محمد بن يوسف نا البخاري نا عبيد ابن اسماعيل نا أبو أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضى الله عنها قالت سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إنه ليخيل إليه أنه فعل الشئ وما فعله وفى رواية أخرى حتى كان يخيل إليه أنه كان يأتي النساء ولا يأتيهن (الحديث) وإذا كان هذا من التباس الأمر على المسحور ________________________________________ (قوله وخارت) بالخاء المعجمة: أي ضعفت (قوله من وصب) بفتح الواو والصاد المهملة: أي مرض (*) ________________________________________ [ 181 ] فكيف حال النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك وكيف جاز عليه وهو معصوم ؟ فاعلم وفقنا الله وإياك أن هذا الحديث صحيح متفق عليه وقد طعنت فيه الملحدة وتدرعت به لسخف عقولها وتلبيسها على أمثالها إلى التشكيك في الشرع وقد نزه الله الشرع والنبى عما يدخل في أمره لبسا وإنما السحر مرض من الأمراض وعارض من العلل يجوز عليه كأنواع الأمراض مما لا ينكر ولا يقدح في نبوته * وأما ما ورد أنه كان يخيل إليه أنه فعل الشئ ولا يفعله فليس في هذا ما يدخل عليه داخلة في شئ من تبليغه أو شريعته أو يقدح في صدقه لقيام الدليل والإجماع على عصمته من هذا وإنما هذا فيما يجوز طروه عليه في أمر دنياه التى لم يبعث بسببها ولا فضل من أجلها وهو فيها عرضة للآفات كسائر البشر فغير بعيد أن يخيل إليه من أمورها ما لا حقيقة له ثم ينجلى عنه كما كان وأيضا فقد فسر هذا الفضل الحديث الآخر من قوله (حتى يخيل إليه أنى يأتي أهله ولا يأتيهن) وقد قال سفيان: هذا أشد ما يكون من السحر ولم يأت في خير منها أنه نقبل عنه في ذلك قول بخلاف ما كان أخبر أنه فعله ولم يفعله وإنما كانت خواطر وتخييلات. وقد قيل إن المراد بالحديث أنه كان يتخيل الشئ أنه فعله وما فعله لكنه تخييل لا يعتقد صحته فتكون اعتقاداته كلها على السداد وأقواله على الصحة، هذا ما وقفت عليه لأئمتنا من الأجوبة عن هذا الحديث مع ما أوضحنا من معنى كلامهم وزدناه بيانا من تلويحاتهم وكل وجه منها مقنع لكنه قد ظهر لى في الحديث تأويل أجلى وأبعد من مطاعن ________________________________________ (قوله وتدرعت) أي لبست الدرع (*) ________________________________________ [ 182 ] ذوى الأضاليل يستفاد من نفس الحديث وهو أن عبد الرزاق قد روى هذا الحديث عن ابن المسيب وعروة بن الزبير، وقال فيه عنهما سحر يهود بنى زريق رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلوه في بئر حتى كاد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينكر بصره ثم دله الله على ما صنعوا فاستخرجه من البئر، وروى نحوه عن الواقدي وعن عبد الرحمن بن كعب وعمر بن الحكم وذكر عن عطاء الخراساني عن يحيى بن يعمر حبس رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عائشة سنة فبينا هو نائم أتاه ملكان فقعد أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه (الحديث)، قال عبد الرزاق: حبس رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عائشة خاصة سنة حتى أنكر بصره، وروى محمد بن سعد عن ابن عباس مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فحبس عن النساء والطعام والشراب فهبط عليه ملكان وذكر القصة، فقد استبان لك من مضمون هذه الروايات أن السحر إنما تسلط على ظاهره وجوارحه لا على قلبه واعتقاده وعقله وأنه إنما أثر في بصره وحبسه عن وطء نسائه وطعامه وأضعف جسمه وأمرضه ويكون معنى قوله: يخيل إليه أنه يأتي أهله ولا يأتيهن، أي: يظهر له من نشاطه ومتقدم عادته القدرة على النساء فإذا دنا منهن أصابته أخذة السحر فلم يقدر على إتيانهن كما يعترى من أخذ واعترض، ولعله لمثل هذا أشار سفيان بقوله: وهذا أشد ما يكون ________________________________________ (قوله عطاء الخراساني) هو ابن أبى مسلم مولى المهلب بن أبى صفرة (قوله ابن يعمر) بفتح أوله وضم ثالثه (قوله أتاه ملكان) في سيرة الدماطى أنهما جبريل وميكائيل (قوله أخذة السحر (بضم الهمزة وسكون الخاء المعجمة بعدها ذال معجمة، في الصحاح الأخذة بالضم رقية السحر وخرزة تؤخذ النساء بها الرجال من التأخيذ (*) ________________________________________ [ 183 ] من السحر ويكون قوله عائشة في الرواية الأخرى إنه ليخيل إليه أنه فعل الشئ وما فعله من باب اما اختل من بصره كما ذكر في الحديث فيظن أنه رأى شخصا من بعض أزواجه أو شاهد فعلا من غيره ولم يكن على ما يخيل إليه لما أصابه في بصره وضعف نظره لا لشئ طرأ عليه في ميزه وإذا كان هذا لم يكن فيما ذكر من إصابة السحر له وتأثيره فيه ما يدخل لبسا ولا يجد به الملحد المعترض أنسا فصل هذا حاله في جسمه، فأما أحواله في أمور الدنيا فنحن نسبرها على أسلوبها المتقدم بالعقد والقول والفعل، أما العقد منها فقد يعتقد في أمور الدنيا الشئ على وجه ويظهر خلافه أو يكون منه على شك أو ظن بخلاف أمور الشرع كما حدثنا أبو بحر سفيان بن العاص وغير واحد سماعا وقراءة قالوا حدثنا أبو العباس أحمد بن عمر، قال حدثنا أبو العباس الرازي حدثنا أبو أحمد بن عمرويه حدثنا ابن سفيان حدثنا مسلم حدثنا عبد الله بن الرومي وعباس العنبري وأحمد المعقرى قالوا حدثنا النضر بن محمد قال حدثنى عكرمة حدثنا أبو النجاشي قال حدثنا رافع ________________________________________ (قوله في ميزه) بفتح الميم وسكون المثناة التحتية بعدها زاى وهاء للضمير أي تمييزه وإفرازه (قوله نسبرها) بنون في أوله مفتوحة أو مضمومة وسين مهملة ساكنة بعدها موحدة يقال سبرته وأسبرته أي حزبته وجربته (قوله وعباس العنبري) عباس بباء موحدة وسين مهملة هو ابن عبد المنعم ابن اسماعيل بن نوبة (قوله المعقرى) بفتح الميم وسكون العين وكسر القاف، ويقال أيضا بكسر الميم وفتح القاف ويقال أيضا بضم الميم وفتح العين وكسر القاف المشددة: منسوب إلى معقرة، ناحية باليمن (قوله أبو النجاشي) بفتح النون وتخفيف الجيم والشين المعجمة: هو عطاء بن صهيب يروى عن مولاه رافع بن خديج ويروى عنه الأوزاعي وغيره (*) ________________________________________ [ 184 ] ابن خديج قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يأبرون النخل فقال: (ما تصنعون ؟) قالوا: كنا نصنعه، قال: (لعلكم لو لم تفعلوا كان خيرا) فتركوه فنفضت، فذكروا ذلك له فقال: (إنما أنا بشر إذا أمرتكم بشئ من دينكم فخذوا به وإذا أمرتكم بشئ من رأى فإنما أنا بشر) وفى رواية أنس (أنتم أعلم بأمر دنياكم) وفى حديث آخر (إنما ظننت ظنا فلا تؤاخذني بالظن) وفى حديث ابن عباس في قصة الخرص فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما أنا بشر فما حدثتكم عن الله فهو حق وما قلت فيه من قبل نفسي فإنما أنا بشر أخطئ وأصيب) وهذا على ما قررناه فيما قاله من قبل نفسه في أمور الدنيا وظنه من أحوالها لا ما قاله من قبل نفسه واجتهاده في شرع شرعه وسنة سنها وكما حكى ابن إسحاق أنه صلى الله عليه وسلم لما نزل بادنى مياه بدر قال له الحباب ابن المنذر: أهذا منزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه أم هو الرأى والحرب والمكيدة ؟ قال (لا بل هو الرأى والحرب والمكيدة) قال فإنه ليس بمنزل، انهض حتى نأتى أدنى ماء من القوم فننزله ثم نغور ما وراءه ________________________________________ (قوله ابن خديج) بفتح الخاء المعجمة وكسر الدال المهملة وفى آخره جيم (قوله يأبرون) بموحدة مخففة قبل الراء، وفى رواية الطبري يؤبرون بهمزة مفتوحة وموحدة مشددة (قوله فنفضت) بنون وفاء وضاد معجمة أي أسقطت حملها، قال ابن قرقول ما عدا هذا الرواية تصحيف (قوله الخرص) بفتح الخاء المعجمة وسكون الراء بعدها صاد مهملة: أي الحزر والتقدير (قوله الحباب) بضم الحاء المهملة وبموحدتين (قوله حتى تعور) بالعين المهملة أو المعجمة وتشديد الواو، قال السهيلي بضم العين المهملة وسكون الواو، قال وقد جاء على لغة من يقول قول القول وبوع للباع انتهى وقال الحافظ المرى تعوير القلب - بالعين المهملة - إفساده وتغويره بالمعجمة - إزالة المأمنة وليس هذا من مقدور البشر بخلاف الأول (*) ________________________________________ [ 185 ] من القلب فنشرب ولا يشربون، فقال (أشرت بالرأى) وفعل ما قاله، وقد قال الله تعالى له صلى الله عليه وسلم (وشاورهم في الأمر) وأراد مصالحة بعض عدوه على ثلث تمر المدينة فاستشار الأنصار فلما أخبروه برأيهم رجع عنه، فمثل هذا وأشباهه من أمور الدنيا التى لا مدخل فيها لعلم ديانة ولا اعتقادها ولا تعليمها يجوز عليه فيها ما ذكرناه، إذ ليس في هذا كله نقيصة ولا محطة وإنما هي أمور اعتيادية يعرفها من جربها وجعلها همه وشغل نفسه بها والنبى صلى الله عليه وسلم مشحون القلب بمعرفة الربوبية ملان الجوانح بعلوم الشريعة مقيد البال بمصالح الأمة الدينية والدنيوية ولكن هذا إنما يكون في بعض الأمور ويجوز في النادر وفيما سبيله التدقيق في حراسة الدنيا واستثمارها لا في الكثير المؤذن بالبله والغفلة وقد تواتر بالنقل عنه صلى الله عليه وسلم من المعرفة بأمور الدنيا ودقائق مصالحها وسياسة فرق أهلها ما هو معجز في البشر مما قد نبهنا عليه في باب معجزاته من هذا الكتاب. فصل وأما ما يعتقده في أمور أحكام البشر الجارية على يديه وقضاياهم ومعرفة المحق من المبطل وعلم المصلح من المفسد فبهذه السبيل لقوله صلى الله عليه وسلم (إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلى ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضى له على نحو مما أسمع، ________________________________________ (قوله ألحن بحجته) في الصحاح اللحن - بالتحريك - الفطنة وقد لحن وفى الحديث (ولعل أحدكم ألحن بحجته) أي أفطن بها، ومنه قول عمر بن عبد العزيز: عجبت لمن لاحن الناس كيف لا يعرف جوامع الكلم فاطنهم انتهى (*) ________________________________________ [ 186 ] فمن قضيت له من حق أخيه بشئ فلا يأخذ منه شيئا فإنما أقطع له قطعة من النار) * حدثنا الفقيه أبو الوليد رحمه الله حدثنا الحسين بن محمد الحافظ حدثنا أبو عمر حدثنا أبو محمد حدثنا أبو بكر حدثنا أبو داود حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الحديث) وفى رواية الزهري عن عروة) فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض فأحسب أنه صادق فأقضى له) ويجرى أحكامه صلى الله عليه وسلم على الظاهر وموجب غلبات الظن بشهادة الشاهد ويمين الحالف ومراعاة الأشبه ومعرفة العفاص والوكاء مع مقتضى حكمة الله في ذلك فإنه تعالى لو شاء لأطلعه على سرائر عباده ومخبآت ضمائر أمته فتولى الحكم بينهم بمجرد يقينه وعلمه دون حاجة إلى اعتراف أو بينة أو يمين أو شبهة ولكن لما أمر الله أمته باتباعه والاقتداء به في أفعاله وأحواله وقضاياه وسيره وكان هذا لو كان مما يختص بعلمه ويؤثره الله به لم يكن للأمة سبيل إلى الاقتداء به في شئ من ذلك ولا قامت حجة بقضية من قضاياه لأحد في شريعته لأنا لا نعلم ما أطلع عليه هو في تلك القضية بحكمه هو إذا في ذلك ________________________________________ (قوله ابن كثير) هو بفتح الكاف وكسر المثلثة (قوله العفاص) بكسر العين المهملة وتخفيف الفاء وفى آخره صاد مهملة: هو الوعاء الذى يكون فيه الشئ وفيه عفاص القارورة للجلد أي بلبسه رأسها (قوله والوكاء) بكسر الواو والمد هو الخيط الذى يشد به الوعاء، ثم استعمل في كل ما يربط به: صرة أو غيرها (*) ________________________________________ [ 187 ] بالمكنون من إعلام الله له بما أطلعه عليه من سرائرهم وهذا ما لا تعلمه الأمة فأجرى الله تعالى أحكامه على ظواهرهم التى يستوى في ذلك هو وغيره من البشر ليتم اقتداء أمته به في تعيين قضاياه وتنزيل أحكامه ويأتون ما أتوا من ذلك على علم ويقين من سنته، إذ البيان بالفعل أوقع منه بالقول وأرفع الاحتمال اللفظ وتأويل المتأول وكان حكمه على الظاهر أجلى في البيان وأوضح في وجوه الأحكام وأكثر فائدة لموجبات التشاجر والخصام وليقتدى بذلك كله حكام أمته ويستوثق بما يؤثر عنه وينضبط قانون شريعته وطى ذلك عنه من علم الغيب الذى استأثر به عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فيعلمه منه بما شاء ويستأثر بما شاء ولا يقدح هذا في نبوته ولا يفصم عروة من عصمته فصل وأما أقواله الدنيوية من أخباره عن أحواله وأحوال غيره وما يفعله أو فعله فقد قدمنا أن الخلف فيها ممتنع عليه في كل حال وعلى أي وجه من عمد أو سهو أو صحة أو مرض أو رضى أو غضب وأنه معصوم منه صلى الله عليه وسلم. هذا فيما طريقه الخبر المحض مما يدخله الصدق والكذب فأما المعاريض الموهم ظاهرها خلاف باطنها فجائز ورودها منه في الأمور الدنيوية لا سيما لقصد المصلحة كتوريته عن وجه ________________________________________ (قوله بما أتوا) بقصر الهمزة أي بما جاؤا (قوله ولا يفصم) بالفاء والصاد المهملة: من فصم الشئ كسره من غير أن بين (*) ________________________________________ [ 188 ] مغازيه لئلا يأخذ العدو حذره وكما روى من ممازحته ودعابته لبسط أمته وتطبيب قلوب المؤمنين من صحابته وتأكيدا في تحببهم ومسرة نفوسهم كقوله لأحملنك على ابن الناقة وقوله للمرأة التى سألته عن زوجها: (أهو الذى بعينه بياض ؟) وهذا كله صدق لأن كل جمل ابن ناقة وكل إنسان بعينه بياض ؟) وقد قال صلى الله عليه وسلم (إنى لأمزح ولا أقول إلا حقا، هذا كله فيما بابه الخبر * فأما ما بابه غير الخبر مما صورته صورة الأمر والنهى في الأمور الدنيوية فلا يصح منه أيضا ولا يجوز عليه أن يأمرا أحدا بشئ أو ينهى أحدا عن شئ وهو يبطن خلافه وقد قال صلى الله عليه وسلم (ما كان لنبى أن تكون له خائنة الأعين) فكيف أن تكون له خائنة قلب ؟ فإن قلت فما معنى قوله تعالى في قصة زيد (وإذ تقول للذى أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك) الآية ؟ فاعلم أكرمك الله ولا تسترب في تنزيه النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الظاهر وأن يأمر زيدا بإمساكها وهو يحب تطليقه إياها كما ذكر عن جماعة من المفسرين وأصح ما في هذا ما حكاه أهل التفسير عن على بن حسين أن الله تعالى كان أعلم نبيه أن زينب ستكون من أزواجه فلما ________________________________________ (قوله ودعابته) بضم الدال المهملة أي مزاحه (قوله لأحملنك على ابن الناقة) هو بكسر الكاف خطاب لحاضنته أم أيمن لما روى سعد بإسناده أن أم أيمن جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت احملني قال (احملك على ولد الناقة) فقالت إليه إنه لا يطيقني. فقال (لا أحملك إلا على ولد الناقة والإبل كلها ولد النوق) (قوله خائنة الأعين) قال ابن الصلاح في مشكله قيل هي الإيماء بالعين وقيل مفارقة النظر (قوله في قصة زيد) هو ابن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه في غزوة مؤنة (قوله أن زينب) هي بنت جحش وفى أزواجه عليه السلام زينب أخرى بنت (*) ________________________________________ [ 189 ] شكاها إليه زيد قال له (أمسك عليك زوجك واتق الله) وأخفى منه في نفسه ما أعلمه الله به من أنه يتزوجها بما الله مبديه ومظهره بتمام التزويج وطلاق زيد لها، وروى نحو عمرو بن فائد عن الزهري قال نزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم يعلمه أن الله يزوجه زينب بنت جحش فذلك الذى أخفى في نفسه، ويصحح هذا قول المفسرين في قوله تعالى بعد هذا (وكان أمر الله مفعولا) أي لا بد لك أن تتزوجها، ويوضح هذا أن الله لم يبد من أمره معها غير زواجه لها، فدل أنه الذى أخفاه صلى الله عليه وسلم مما كان أعلمه به تعالى وقوله تعالى في القصة: (ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له سنة الله) الآية، فدل أنه لم يكن عليه حرج في الأمر، قال الطبري ما كان الله ليؤثم نبيه فيما أحل له مثال فعله لمن قبله من الرسل، قال الله تعالى: (سنة الله في الذين خلوا من قبل) أي من النبيين فيما أحل لهم ولو كان على ما روى في حديث قتادة من وقوعها من قلب النبي صلى الله عليه وسلم عند ما أعجبته ومحبته طلاق زيد لها لكان فيه أعظم الحرج وما لا يليق به من مد عينيه لما نهى عنه من زهرة الحياة الدنيا ولكان هذا نفس الحسد المذموم الذى لا يرضاه ولا يتسم به الأتقياء، فكيف سيد الأنبياء ؟ قال القشيرى وهذا إقدام عظيم من قائله وقلة معرفة بحق النبي صلى الله عليه وسلم وبفضله وكيف يقال رآها فأعجبته وهى بنت عمته ولم يزل يراها ________________________________________ خريمة تزوجها في شهر رمضان على رأس أخذ وثلاثين شهرا من الهجرة ومكثت عنده ثمانية أشهر وتوفيت ودفنت بالبقيع (قوله ابن فائد) بالفاء وكذا ذكره ابن ماكولا (قوله وهى بنت عمته) لأن أمها أمية بنت عبد المطلب (*) ________________________________________ [ 190 ] منذ ولدت ولا كان النساء يحتجبن منه صلى الله عليه وسلم وهو زوجها لزيد ؟ وإنما جعل الله طلاق زيد لها وتزويج النبي صلى الله عليه وسلم إياها لإزالة حرمة التبني وإبطال سنته كما قال: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم) * وقال (لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم)، ونحوه لابن فورك، وقال أبو الليث السمرقندى فإن قيل فما الفائدة في أمر النبي صلى الله عليه وسلم لزيد بإمساكها فهو أن الله أعلم نبيه أنها زوجته فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن طلاقها إذ لم تكن بينهما ألفة وأخفى في نفسه ما أعلمه الله به فلما طلقها زيد خشى قول الناس يتزوج امرأة ابنه فأمره الله بزواجها ليباح مثل ذلك لأمته كما قال تعالى (لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم) وقد قيل كان أمره لزيد بإمساكها قمعا للشهوة وردا للنفس عن هواها وهذا إذا جوزنا عليه أنه رآها فجأة واستحسنها ومثل هذا لا نكرة فيه لما طبع عليه ابن آدم من استحسانه الحسن ونظرة الفجأة معفو عنها ثم قمع نفسه عنها وأمر زيدا بإمساكها وإنما تنكر تلك الزيادات التى في القصة والتعويل والأولى ما ذكرناه عن على بن حسين وحكاه السمرقندى وهو قول ابن عطاء واستحسنه القاضى القشيرى وعليه عول أبو بكر بن فورك وقال إنه معنى ذلك عند المحققين من أهل التفسير، قال والنبى صلى الله عليه وسلم منزه عن استعمال النفاق في ذلك وإظهار خلاف ما في نفسه وقد نزهه الله عن ذلك بقوله تعالى (ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له) قال ومن ظن ذلك ________________________________________ (قوله فجأة) بفتح الفاء وسكون الجيم بعدها همزة. وبضم الفاء وفتح الجيم والمد (*) ________________________________________ [ 191 ] بالنبي صلى الله عليه وسلم فقد أخطأ قال وليس معنى الخشية هنا الخوف وإنما معناه الاستحياء أي يستحيى منهم أن يقولوا تزوج زوجة ابنه وأن خشيته صلى الله عليه وسلم من الناس كانت من إرجاف المنافقين واليهود تشغيبهم على المسلمين بقولهم تزوج زوجة ابنه بعد نهيه عن نكاح حلائل الأبناء كما كان فعتبه الله على هذا ونزهه عن الالتفات إليهم فيما أحله له كما عتبه على مراعاة رضى أزواجه في سورة التحريم بقوله: (لم تحرم ما أحل الله لك) الآية، كذلك قوله: له ههنا (وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه) وقد روى عن الحسن وعائشة: لو كتم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا لكتم هذا الآية لما فيها من عتبه وإبداء ما أخفاه فصل فإن قلت قد تقررت عصمته صلى الله عليه وسلم في أقواله في جميع أحواله وأنه لا يصح منه فيها خلف ولا اضطراب في عمد ولا سهو ولا صحة ولا مرض ولا جد ولا مزح ولا رضى ولا غضب ولكن ما معنى الحديث في وصيته صلى الله عليه وسلم الذى حدثنا به القاضى الشهيد أبو على رحمه الله قال حدثنا القاضى أبو الوليد حدثنا أبو ذر حدثنا أبو محمد وأبو الهيثم وأبو إسحقاق قالوا حدثنا محمد بن يوسف حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا على بن عبد الله حدثنا عبد الرزاق بن همام أخبرنا معمر عن الزهري عن عبيد الله ________________________________________ (قوله عبد الرزاق) عن همام عن معمر) هذا يقع في كثير من النسخ والصواب ما في بعضها وهو عبد الراق بن همام أو عبد الرزاق عن معمر لأن عبد الرزاق لا يروى عن همام واسم أبيه همام. ويروى عن معمر. ومعمر بفتح الميمين وسكون العين المهملة (قوله أهجر) بفتح الهمزة والهاء والجيم وفى رواية هجر بفتح الهاء والجيم من غير همزة. وفى رواية أهجر بفتح الهمزة وضم الهاء قال ابن الأثير أي هل تغير كلامه واختلط لما به من المرض. وهذا أحسن ما يقال فيه ولا يجعل إخبارا فيكون من الفحش والهذيان والقائل كان عمر لا يظن به ذلك انتهى، وقد أفرد ابن دحية هذه اللفظة بتأليف (*) ________________________________________ [ 192 ] ابن عبد الله عن ابن عباس قال لما احتضر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى البيت رجال فقال النبي صلى الله عليه وسلم (هلموا أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده) فقال بعضهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلبه الوجع (الحديث) وفى رواية (آتونى أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعدى أبدا) فتنازعوا فقالوا ماله أهجر: استفهموه، فقال (دعوني فإن الذى أنا فيه خير) وفى بعض طرقه: إن النبي صلى الله عليه وسلم يهجر. وفى رواية هجر ويروى أهجر، ويروى أهجرا، وفيه فقال عمر إن النبي صلى الله عليه وسلم قد اشتد به الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا وكثر اللعط فمال قوموا عنى وفى رواية واختلف أهل البيت واختصموا فمنهم من يقول قربوا يكتب لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا ومنهم من يقول ما قال عمر، قال أئمتنا في هذا الحديث إن النبي صلى الله عليه وسلم غير معصوم من الأمراض وما يكون من عوارضها من شدة وجع غشى ونحوه مما يطرأ على جسمه معصوم أن يكون منه من القول أثناء ذلك ما يطعن في معجزته ويؤدى إلى فساد في شريعته من هذيان أو اختلال في الكلام. وعلى هذا لا يصح ظاهر رواية من روى في الحديث هجر ________________________________________ [ 193 ] إذ معناه هذى يقال هجر هجرا إذ هذى، وأهجر هجرا إذا أفحش، وأهجر تعدية هجر، وإنما الأصح والأولى أهجر ؟ على طريق الإنكار على من قال لا يكتب، هكذا روايتنا فيه في صحيح البخاري من رواية جميع الرواة في حديث الزهري المتقدم، وفى حديث محمد بن سلام عن ابن عيينة وكذا ضبطه الأصيلي بخطه في كتابه وغيره من هذه الطرق وكذا رويناه عن مسلم في حديث سفيان وعن غيره وقد تحمل عليه رواية من رواه هجر على حذف ألف الاستفهام والتقدير أهجر ؟ أو أن يحمل قول القائل هجر أو أهجر دهشة من قائل ذلك وحيرة لعظيم ما شاهد من حال الرسول صلى الله عليه وسلم وشدة وجعه والمقام الذى اختلف فيه عليه والأمر الذى هم بالكتاب فيه حتى لم يضبط هذا القائل لفظه وأجرى الهجر مجرى شدة الوجع لا أنه اعتقد أنه يجوز عليه الهجر كما حملهم الإشفاق على حراسته والله يقول (والله يعصمك من الناس) ونحو هذا * وأما على رواية أهجرا - وهى رواية أبى إسحاق المستملى في الصحيح في حديث ابن جبير عن ابن عباس من رواية قتيبة - فقد يكون هذا راجعا إلى المختلفين عنده صلى الله عليه وسلم ومخاطبة لهم من بعضهم أي جئتم باختلافكم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين يديه هجرا ومنكرا ________________________________________ (قوله في حديث محمد بن سلام) هو السكندرى، قال الذهبي ما ذكر فيه الخطيب ولا ابن ماكولا سوى التخفيف، وقال ابن قرقول والمصنف في المشارق نقله الأكثر (قوله وأجرى الهجر) بفتح الهاء وإسكان الجيم وهو الهذيان (قوله مجرى) بضم الميم لأنه من أجرى (قوله أهجرا) بفتح الهاء (قوله المستملى) بمثناة فوقية بعد السين المهملة (قوله هجرا) بضم الهاء وسكون الجيم: اسم من الإهجار (13 - 2) بمعنى الإفحاش في النطق (*) ________________________________________ [ 194 ] من القول، والهجر بضم الهاء: الفحش في المنطق وقد اختلف العلماء في معنى هذا الحديث وكيف اختلفوا بعد أمره صلى الله عليه وسلم أن يأتوه بالكتاب، فقال بعضهم أوامر النبي صلى الله عليه وسلم يفهم إيجابها من ندبها من إباحتها بقرائن، فلعل قد ظهر من قرائن قوله صلى الله عليه وسلم لبعضهم ما فهموا أنه لم تكن منه عزمة بل أمر رده إلى اختيارهم وبعضهم لم يفهم ذلك فقال: استفهموه، فلما اختلفوا كف عنه إذ لم يكن عزمه ولما رأوه من صواب رأى عمر: ثم هؤلاء قالوا ويكون امتناع عمر إما إشفاقا على النبي صلى الله عليه وسلم من تكليفه في تلك الحال إملاء الكتاب وأن تدخل عليه مشقة من ذلك كما قال إن النبي صلى الله عليه وسلم اشتد به الوجع، وقيل خشى عمر أن يكتب أمورا يعجزون عنها فيحصلون في الحرج بالمخالفة ورأى أن الأرفق بالأمة في تلك الأمور سعة الاجتهاد وحكم النظر وطلب الصواب فيكون المصيب والمخطئ مأجورا، وقد علم عمر تقرر الشرع وتأسيس الملة وأن الله تعالى قال: (اليوم أكملت لكم دينكم) وقوله صلى الله عليه وسلم (أوصيكم بكتاب الله وعترتي) وقوله عمر: حسبنا كتاب الله رد على ما نازعه لا على أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قيل: إن عمر خشى تطرق المنافقين ومن في قلبه مرض لما كتب في ذلك الكتاب في الخلوة وأن يتقولوا في ذلك الأقاويل كادعاء الرافضة الوصية وغير ذلك، وقيل إنه كان من النبي صلى الله عليه وسلم لهم على طريق المشورة والاختبار وهل يتفقون على ذلك أم يختلفوا) ________________________________________ (قوله المشورة) في الصحاح: المشورة الشورى وكذلك المشورة بضم الشين، تقول منه شاورته واستشرته (*) ________________________________________ [ 195 ] فلما اختلفوا تركه، وقالت طائفة أخرى: أن معنى الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مجيبا في هذا الكتاب لما طلب منه لا أنه ابتدا بالأمر به بل اقتضاه منه بعض أصحابه فأجاب رغبتهم وكره ذلك غيرهم للعلل التى ذكرناها، واستدل في مثل هذه القصة بقول العباس لعلى: انطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كان الأمر فينا علمناه، وكراهة على هذا وقوله: والله لا أفعل - الحديث - واستدل بقوله دعوني فإن الذى أنا فيه خير: أي الذى أنا فيه خير من إرسال الأمر وترككم وكتاب الله وأن تدعوني مما طلبتم، وذكر أن الذى طلب كتابه أمر الخلافة بعده وتعيين ذلك فصل فإن قيل فما وجه حديثه أيضا الذى حدثنا الفقيه أبو محمد الخشنى بقراءتي عليه حدثنا أبو على الطبري حدثنا عبد الغافر الفارسى حدثنا أبو أحمد الجلودى قال حدثنا إبراهيم بن سفيان حدثنا مسلم بن الحجاج حدثنا قتيبة حدثنا ليث عن سعيد بن أبى سعيد عن سالم مولى النصريين قال: سمعت أبا هريرة يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم إنما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر وإنى قد اتخذت عندك عهدا لن تخلفنيه فأيما مؤمن آذيته أو سببته أو جلدته فأجعلها له كفارة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة) * وفى رواية (فأيما أحد دعوت عليه ________________________________________ (قوله مولى النصريين) بنون وصاد مهملة هو سالم بن عبد الله النصرى بالنون والصاد المهملة (*) ________________________________________ [ 196 ] دعوة، وفى رواية (ليس لها بأهل)، وفى رواية (فأيما رجل من المسلمين سببته أو لعنته أو جلدته فأجعلها له زكاة وصلاة ورحمة) وكيف يصح أن يلعن النبي صلى الله عليه وسلم من لا يستحق اللعن ويسب من لا يستحق السب ويجلد من لا يستحق الجلد أو يفعل مثل ذلك عند الغضب وهو معصوم من هذا كله، فاعلم شرح الله صدرك أن قوله صلى الله عليه وسلم أولا (ليس لها بأهل) أي عندك يا رب في باطن أمره فإن أمره فإن حكمه صلى الله عليه وسلم على الظاهر كما قال وللحكمة التى ذكرناها فحكم صلى الله عليه وسلم بجلده أو أدبه بسبه أو لعنه بما اقتضاه عنده حال ظاهره ثم دعا له صلى الله عليه وسلم لشفقته على أمته ورأفته ورحمته للمؤمنين التى وصفه الله بها وحذره أن يتقبل الله فيمن دعا عليه دعوته أن يجعل دعاءه وفعله له رحمة وهو معنى قوله (ليس لها بأهل)، لا أنه صلى الله عليه وسلم يحمله الغضب ويستفزه الضجر لأن يفعل مثل هذا بمن لا يستحقه من مسلم، وهذا معنى صحيح، ولا يفهم من قوله (أغضب كما يغضب البشر أن الغضب حمله على ما لا يجب بل يجوز أن يكون المراد بهذا أن الغضب لله حمله على معاقبته بلعنه أو سبه وأنه مما كان يحتمل ويجوز عفوه عنه أو كان مما خير بين المعاقبة فيه والعفو عنه، وقد يحمل على أنه خرج مخرج الإشفاق وتعليم أمته الخوف والحذر من تعدى حدود الله وقد يحمل ما ورد من دعائه هنا ومن دعواته على غير واحد في غير موطن على غير العقد والقصد بل بما جرت به عادة العرب وليس المراد بها الإجابة ________________________________________ [ 197 ] كقوله، تربت يمينك، ولا أشبع الله بطنك، وعقرى حلقى) وغيرها من دعواته، وقد ورد في صفته في غير حديث أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن فحاشا، وقال أنس لم يكن سبابا ولا فاحشا ولا لعانا وكان يقول لأحدنا عند المعتبة (ما له ؟ ترب جبينه) فيكون حمل الحديث على هذا المعنى، ثم أشفق صلى الله عليه وسلم من موافقة أمثالها إجابة فعاهد ربه كما قال في الحديث أن يجعل ذلك للمقول له زكاة ورحمة وقربة، وقد يكون ذلك إشفاقا على المدعو عليه وتأنيسا له لئلا يلحقه من استشعار الخوف والحذر من لعن النبي صلى الله عليه وسلم وتقبل دعائه ما يحمله على اليأس والقنوط، وقد يكون ذلك سؤالا منه لربه لمن جلده أو سبه على حق وبوجه صحيح أن يجعل ذلك له كفارة لما أصابه وتمحية لما اجترم وأن تكون عقوبته له في الدنيا سبب العفو والغفران كما جاء في الحديث الآخر (ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به في الدنيا فهو له كفارة، فإن قلت فما معنى حديث الزبير وقول النبي صلى الله عليه وسلم له حين تخاصمه مع الأنصاري في شراج الحرة (اسق يا زبير حتى يبلغ الكعبين) فقال له ________________________________________ (قوله تربت يمينك) قاله لأم سلمة وفى رواية لعائشة (قوله ولا أشبع الله بطنك) الذى في صحيح مسلم في كتاب الأدب عن ابن عباس قال كنت ألعب مع الصبيان فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فتواريت خلف باب فجاء فخطاني خطاه وقال اذهب ادع لى معاوية، قال فجئت فقلت هو يأكل، قال: ثم قال لى اذهب فادع لى معاوية، قال فجئت فقلت هو يأكل، فقال لا أشبع الله بطنه (قوله عقرى حلقى) قاله لصفية بنت حبى بن أخطب في حجة الوداع (قوله عند المعتبة) بفتح المثناة الفوقية وكسرها (قوله في شراج الحرة) الشراج بكسر الشين المعجمة وتخفيف الراء وفى آخره جيم جمع شرجة وهى مسيل الماء والحرة بفتح الحاء المهملة: أرض ذات حجارة سود (*) ________________________________________ [ 198 ] الأنصاري أن كان يا رسول الله ابن عمتك ؟ فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: (اسق يا زبير ثم احبس حتى يبلغ الجدر) الحديث فالجواب أن النبي صلى الله عليه وسلم منزه أن يقع بنفس مسلم منه في هذه القصة أمر يريب ولكنه صلى الله عليه وسلم ندب الزبير أولا إلى الاقتصار على بعض حقه على طريق التوسط والصلح فلما لم يرض بذلك الآخر ولج وقال ما لا يجب استوفى النبي صلى الله عليه وسلم للزبير حقه ولهذا ترجم البخاري على هذا الحديث: (باب إذا أشار الإمام بالصلح فأبى) حكم عليه بالحكم: وذكر في آخر الحديث: فاستوعى رسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ للزبير حقه. وقد جعل المسلمون هذا الحديث أصلا في قضيته، وفيه الاقتداء به صلى الله عليه وسلم في كل ما فعله في حال غضبه ورضاه وأنه وإن نهى أن يقضى القاضى وهو غضبان فإنه في حكمه في حال الغضب والرضى سواء لكونه فيها معصوما، وغضب النبي صلى الله عليه وسلم في هذا إنما كان لله تعالى لا لنفسه كما جاء في الحديث الصحيح، وكذلك الحديث في إقادته عكاشة من نفسه لم يكن لتعمد حمله الغضب عليه بل وقع في الحديث نفسه أن عكاشة قال له: وضربتني بالقضيب، فلا أدرى أعمدا أم أردت ضرب الناقة ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم (أعيذك بالله يا عكاشة أن يتعمدك رسول الله صلى الله عليه وسلم) وكذلك في حديثه الآخر مع الأعرابي حين طلب عليه السلام الاقتصاص منه، فقال الأعرابي ________________________________________ (قوله أن كان ابن عمتك) أي من أجل ذلك حكمت له، وعمته هي صفية أم الزبير (قوله ولج) بفتح اللام وتشديد الجيم (*) ________________________________________ [ 199 ] قد عفوت عنك، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد ضربه بالسوط لتعلقه بزمام ناقته مرة بعد أخرى والنبى صلى الله عليه وسلم ينهاه ويقول له (تدرك حاجتك) وهو يأتي فضربه بعد ثلاث مرات، وهذا منه صلى الله عليه وسلم لمن لم يقف منذ نهيه صواب وموضع أدب، لكنه عليه السلام أشفق إذ كان حق نفسه من الأمر حتى عفا عنه: وأما حديث سواد بن عمرو: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأنا متخلق فقال (ورس ورس حط حط) وغشيني بقضيب في يده في بطني فأوجعني، قلت القصاص يا رسول الله، فكشف لى عن بطنه: إنما ضربه صلى الله عليه وسلم لمنكر رآه به ولعله لم يرد بضربه بالقضيب إلا تنبيهه، فلما كان منه إيجاع لم يقصده طلب التحلل منه عن ما قدمناه فصل وأما أفعاله صلى الله عليه وسلم الدنيوية فحكمه فيها من ترقى المعاصي والمكروهات ما قدمناه ومن جواز السهو والغلط في بعضها ما ذكرناه وكله غير قادح في النبوة بل إن هذا فيها على الندور إذ عامة أفعله على السداد والصواب بل أكثرها أو كلها جارية مجرى العبادات والقرب على ما بينا إذ كان صلى الله عليه وسلم لا يأخذ منها لنفسه إلا ضرورته وما يقيم رمق جسمه وفيه مصلحة ذاته التى بها يعبد ربه ويقيم شريعته ويسوس أمته ________________________________________ (قوله سواد بن عمرو) سواد بتخفيف الواو، قال ابن عبد البر سواد بن عمرو القارى الأنصاري روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الحلوق مرة أو ثلاثة وأنه رآه متحلقا فطعنه في بطنه بجريدة وليست هذه القصة لسواد بن عمر انتهى (*) ________________________________________ [ 200 ] وما كان فيما بينه وبين الناس من ذلك فبين معروف يصنعه أو بر يوسعه أو كلام حسن يقوله أو يسمعه أو تألف شارد أو قهر معاند، أو مداراة حاسد وكل هذا لاحق بصالح أعماله منتظم في زاكى وظائف عباداته وقد كان يخالف في أفعاله الدنيوية بحسب اختلاف الأحوال ويعد للأمور أشباهها فيركب في تصرفه لما قرب الحمار وفى أسفاره الراحلة ويركب البغلة في معارك الحرب دليلا على الثبات ويركب الخيل ويعدها ليوم الفزع وإجابة الصارخ وكذلك في لباسه وسائر أحواله بحسب اعتبار مصالحه ومصالح أمته وكذلك يفعل الفعل من أمور الدنيا مساعدة لأمته وسياسة وكراهية لخلافها وإن كان قد يرى غيره خيرا منه كما يترك الفعل لهذا وقد يرى فعله خيرا منه وقد يفعل هذا في الأمور الدينية مما له الخيرة في أحد وجهيه كخروجه من المدينة لأحد وكان مذهبه التحصن بها وتركه قتل المنافقين وهو على يقين من أمرهم مؤالفة لغيرهم ورعاية للمؤمنين من قرابتهم وكراهة لأن يقول الناس إن محمدا يقتل أصحابه كما جاء في الحديث وتركه بناء الكعبة على قواعد إبراهيم مراعاة لقلوب قريش وتعظيمهم لتغيرها وحذرا من نفار قلوبهم لذلك وتحريك متقدم عداوتهم للدين وأهله فقال لعائشة في الحديث الصحيح: (لولا حدثان قومك بالكفر لأتممت البيت على قواعد إبراهيم) ويفعل الفعل ثم يتركه لكون ________________________________________ (قوله وبعدها بضم أوله (قوله الخيرة) بكسر الخاء المعجمة وفتح المثناة التحتية (*) ________________________________________ [ 201 ] غيره خيرا منه كانتقاله من أدنى مياه بدر إلى أقربها للعدو من قريش وكقوله: (لو استقبلت من أمرى ما استدبرت ما سقت الهدى) ويبسط وجهه للكاف والعدو رجاء استئلافه ويصبر للجاهل ويقول: (إن من شر الناس من اتقاه الناس لشر) ويبذل له الرغائب ليحبب إليه شريعته ودين ربه ويتولى في منزله ما يتولى الخادم من مهنته، ويتسمت في ملاءته حتى لا يبدو منه شئ من أطرافه وحتى كأن على رؤس جلسائه الطير ويتحدث مع جلسائه بحديث أولهم ويتعجب مما يتعجبون منه ويضحك مما يضحكون منه وقد وسع الناس بشره وعدله لا يستفزه الغضب ولا يقصر عن الحق ولا يبطن على جلسائه يقول: (ما كان لنبى أن تكون له خائنة الأعين) فإن قلت فما معنى قوله لعائشة رضى الله عنها في الداخل عليه (بئس ابن العشيرة) فلما دخل الآن له القول وضحك معه، فلما خرج سألته عن ذلك قال: (إن من شر الناس من اتقاه الناس لشره، وكيف جاز أن يظهر له خلاف ما يبطن ويقول في ظهره ما قال ؟ فالجواب أن فعله صلى الله عليه وسلم كان استئلافا لمثله وتطييبا لنفسه ليتمكن إيمانه ويدخل في الإسلام بسببه أتباعه ويراه مثله فينجذب بذلك إلى الإسلام، ومثل هذا على هذا الوجه قد خرج من حد مداراة الدنيا إلى السياسة الدينية وقد كان يستألفهم بأموال الله العريضة فكيف بالكلمة اللينة ؟ قال صفوان لقد أعطاني وهو أبغض الخلق إلى فما زال يعطينى حتى صار أحب ________________________________________ (قوله في مهنته) بفتح الميم وكسرها: أي خدمته (قوله ويتسمت) أي يقصد سمته (قوله في ملاءته بضم الميم والمد (*) ________________________________________ [ 202 ] الخلق إلى، قوله فيه بئس ابن العشيرة هو غير غيبة بل هو تعريف ما علمه منه لمن لم يعلم ليحذر حاله ويحترز منه ولا يوثق بجانبه كل الثقة لا سيما وكان مطاعا متبوعا، ومثل هذا إذا كان لضرورة ودفع مضرة لم يكن بغيبة بل كان جائزا بل واجبا في بعض الأحيان كعادة المحدثين في تجريح الرواة والمزكين في الشهود، فإن قيل فما معنى المعضل الوارد في حديث بريرة من قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة وقد أخبرته أن موالى بريرة أبوا بيعها إلا أن يكون لهم الولاء فقال لها صلى الله عليه وسلم (اشتريها واشترطي لهم الولاء) ففعلت، ثم قام خطيبا فقال: (ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله ؟ كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) والنبى صلى الله عليه وسلم قد أمرها بالشرط لهم وعليه باعوا ولولاه والله أعلم لما باعوها من عائشة كما لم يبيعوها قبل حتى شرطوا ذلك عليها ثم أبطله صلى الله عليه وسلم وهو قد حرم الغش والخديعة ؟ فاعلم أكرمك الله أن النبي صلى الله عليه وسلم منزه عما يقع في بال الجاهل من هذا ولتنزيه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ما قد أنكر قوم هذا الزيادة قوله (اشترطي لهم الولاء) إذ ليس في أكثر طرق الحديث ومع ثباتها فلا اعتراض بها إذ يقع لهم بمعنى عليهم قال الله تعالى: (أولئك لهم اللعنة) وقال (وإن أسأتم فلها) فعلى هذا اشترطي عليهم الولاء لك ويكون قيام النبي صلى الله عليه وسلم ووعظه ________________________________________ (قوله المعضل) بكسر الضاد المعجمة، اسم فاعل. وهو الذى لا يهتدى وجهه (قوله بريرة) هي بنت صفوان، قيل كانت قبطية وقيل حبشية (*) ________________________________________ [ 203 ] لما سلف لهم من شرط الولاء لأنفسهم قبل ذلك * ووجه ثان أن قوله صلى الله عليه وسلم (اشترط لهم الولاء) ليس على معنى الأمر لكن على معنى التسوية والإعلام بأن شرطه لهم لا ينفعهم بعد بيان النبي صلى الله عليه وسلم لهم قبل أن الولاء لمن أعتق فكأنه قال: (اشترطي أولا تشترطي فإنه شرط غير نافع، وإلى هذا ذهب الداوودى وغيره وتوبيخ النبي صلى الله عليه وسلم لهم وتقريعهم على ذلك يدل على علمهم به قبل هذا * الوجه الثالث أن معنى قوله (اشترطي لهم الولاء) أي: أظهري لهم حكمه وبيني عندهم سنته أن الولاء إنما هو لمن أعتق، ثم بعد هذا قام هو صلى الله عليه وسلم مبينا ذلك وموبخا على مخالفة ما تقدم منه فيه، فإن قيل فما معنى فعل يوسف عليه السلام بأخيه إذ جعل السقاية في رحله وأخذه باسم سرقتها وما جرى على إخوته في ذلك وقوله إنكم لسارقون ولم يسرقوا ؟ فاعلم أكرمك الله أن الآية تدل على أن فعل يوسف كان من أمر الله لقومه تعالى (كذلك ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله) الآية فإذا كان كذلك فلا اعتراض به كان فيه ما فيه، وأيضا فإن يوسف كان أعلم أخاه بأنى انا أخوك فلا تبتئس فكان ما جرى عليه بعد هذا من وفقه ورغبته وعلى يقين من عقى الخير له به وإزاحة السوء والمضرة عنه بذلك، وأما قوله (أيتها العير إنكم لسارقون) فليس من قول يوسف فيلزم عليه جواب يحل شبهه ولعل قائله ________________________________________ (قوله كان فيه ما فيه) هو بدل من قوله فلا اعتراض به جواب لإذا، والذى فيه هو أنه كيف يجوز أن يأمر الله بمثل هذا ؟ (*) ________________________________________ [ 204 ] إن حسن له التأويل كائنا من كان ظن على صورة الحال ذلك وقد قيل قال ذلك لفعلهم قبل بيوسف وبيعهم له وقيل غير هذا ولا يلزم أن نقول الأنبياء ما لم يأت أنهم قالوه حتى يطلب الخلاص منه ولا يلزم الاعتذار عن زلات غيرهم. فصل فإن قيل فما الحكمة في إجراء الأمراض وشدتها عليه وعلى غيره من الأنبياء على جميعهم السلام، وما الوجه فيما ابتلاهم الله به من البلاء وامتحانهم بما امتحنوا به كأيوب ويعقوب ودنيال ويحيى وزكريا وعيسى وإبراهيم ويوسف وغيرهم صلوات الله عليهم وهم خيرته من خلقه وأحباؤه وأصفياؤه ؟ فاعلم وفقنا الله وإياك أن أفعال الله تعالى كلها عدل وكلماته جميعا صدق لا مبدل لكلماته يبتلى عباده كما قال لهم لننظر كيف تعلمون، (وليبلوكم أيكم أحسن عملا) وليعلم الله الذين آمنوا منكم، ولما يعلم الله الذين جاهوا منكم ويعلم الصابرين، ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم) فامتحانه إياهم بضروب المحن زيادة في مكانتهم ورفعة في درجاتهم وأسباب لاستخراج حالات الصبر والرضى والشكر والتسليم والتوكل والتفويض والدعاء والتضرع منهم وتأكيد لبصائرهم في رحمة الممتحنين والشفقة على المسلمين وتذكرة لغيرهم وموعظة لسواهم ليتأسوا في البلاء بهم ويتسلوا ________________________________________ [ 205 ] في المحن بما جرى عليهم ويقتدوا بهم في الصبر محو لهنات فرطت منهم أو غفلات سلفت لهم ليلقوا الله طيبين مهذبين وليكون أجرهم أكمل وثوابهم أوفر وأجزل. حدثنا القاضى أبو على الحافظ حدثنا أبو الحسين الصيرفى وأبو الفضل بن خيرون قالا حدثنا أبو يعلى البغدادي حدثنا أبو على السنجى حدثنا محمد بن محبوب حدثنا أبو عيسى الترمذي حدثنا قتيبة حدثنا حماد بن زيد عن عاصم بن بهدلة عن مصعب بن سعد عن أبيه قال قلت يا رسول الله أي الناس أشد بلاء ؟ قال (الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على حسب دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشى على الأرض وما عليه خطيئته)، وكما قال تعالى (وكأين من نبى قاتل معه ربيون كثير) الآيات الثلاث وعن أبى هريرة ما يزال البلاء بالمؤمن في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة، وعن أنس عنه صلى الله عليه وسلم (إذ أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة) وفى حديث آخر (إذا أحب الله عبدا ابتلاه ليسمع تضرعه) وحكى السمرقندى أن كل من كان أكرم على الله تعالى كان بلاؤه أشد كى يتبين فضله ويستوجب الثواب كما روى عن لقمان أنه قال يا بنى الذهب والفضة يختبران بالنار والمؤمن يختبر بالبلاء، وقد حكى أن ابتلاء يعقوب بيوسف كان سببه التفاته في صلاته إليه ويوسف نائم ________________________________________ (قوله عن عاصم بن بهدلة) قال الذهبي في ترجمته قال يحيى القطان ما وجدت رجلا اسمه عاصم إلا وجدته ردئ الحفظ (*) ________________________________________ [ 206 ] محبة له، وقيل: بل اجتمع يوما هو وابنه يوسف على أكل حمل مشوى وهما يضحكان وكان لهم جار يتيم فشم ريحه واشتهاه وبكى وبكت له جدة له عجوز لبكائه وبينهما جدار ولا علم عند يعقوب وابنه فعوقب يعقوب بالبكاء أسفا على يوسف إلى أن سألت حدثتاه وابيضت عيناه من الحزن فلما علم بذلك كان بقية حياته يأمر مناديا ينادى على سطحه الا من كان مفطرا فليتغد عند آل يعقوب وعوقب يوسف بالمحنة التى نص الله عليها، وروى عن الليث أن سبب بلاء أيوب أنه دخل مع أهل قريته على ملكهم فكلموه في ظلمه وأغلظوا له إلا أيوب فإنه رفق به مخافة على زرعه فعاقبه الله ببلائه، ومحنة سليمان لما ذكرناه من نيته في كون الحق في جنبة أصهاره أو للعمل بالمعصية في داره ولا علم عنده وهذه فائدة شدة المرض والوجع بالنبي صلى الله عليه وسلم، قالت عائشة ما رأيت الوجع على أحد أشد منه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن عبد الله رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه يوعك وعكا شديدا فقلت إنك لتوعك وعكا شديدا، قال أجل إنى أوعك كما يوعك رجلان منكم) قلت ذلك أن لك الأجر مرتين قال (أجل ذلك كذلك) وفى حديث أبى سعيد أن رجلا وضع يده على النبي صلى الله عليه وسلم فقال والله ما أطيق ________________________________________ (قوله أكل حمل) بفتح الحاء المهملة والميم، وهو من الضأن الجذع أو دونه، قال ابن دريد والجذع من الضأن ما تمت له سنة وقيل أقل منها (قوله بالمحنة) بنون بعد الحاء المهملة (قوله في جنبة أصهاره) بجيم ونون وموحدة: في القاموس. الجنبة والجانبة والجنب، شق إنسان (قوله وعن عبد الله هو ابن مسعود (*) ________________________________________ [ 207 ] أضع يدى عليك من شدة حماك فقال النبي صلى الله عليه وسلم (إنا معشر الأنبياء يضاعف لنا البلاء إن كان النبي ليبتلى بالقمل حتى يقتله وإن كان النبي ليبتلى بالفقر وإن كانوا ليفرحون بالبلاء كما يفرحون بالرخاء) وعن أنس عنه صلى الله عليه وسلم (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله أحب قوما ابتلاهم فمن رضى فله الرضى ومن سخط فله السخط) وقد قال المفسرون في قوله تعالى (من يعمل سوءا يجز به) أن المسلم يجزى بمصائب الدنيا فتكون له كفارة، وروى هذا عن عائشة وأبى ومجاهد، وقال أبو هريرة عنه صلى الله عليه وسلم (من يرد الله به خيرا يصب منه) وقال في رواية عائشة (ما من مصيبة تصيب المسلم إلا يكفر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها) وقال في رواية أبى سعيد (ما يصيب المؤمن من نصف ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه) وفى حديث ابن مسعود (ما من مسلم يصيبه أذى إلا حات الله عنه خطاياه كما يحت ورق الشجر) وحكمة أخرى أودعها الله في الأمراض لأجسامهم ونعاقب الأوجاع وشدتها عند مماتهم لتضعف قوى نفوسهم فيسهل خروجها عند قبضهم وتخف عليهم مونة النزع وشدة السكرات بتقدم المرض وضعف الجسم والنفس لذلك خلاف موت الفجأة وأخذه كما يشاهد من اختلاف أحوال الموتى في الشدة واللين والصعوبة وقد قال صلى الله عليه وسلم (مثل ________________________________________ (قوله وعكا) بفتح العين وإسكانها (قوله من نصب) بفتح الصاد المهملة أي تعب (قوله ولا وصب) بفتحتين أي مرض (*) ________________________________________ [ 208 ] المؤمن مثل خامة الزرع تفيئها الريح هكذا وهكذا) وفى رواية أبى هريرة (من حيث أتتها الريح تكفؤها فإذا سكنت اعتدلت، وكذلك المؤمن يكفأ بالبلاء، ومثل الكافر كمثل الأرزة صماء معتدلة حتى يقصمه الله) معناه أن المؤمن مرزء مصاب بالبلاء والأمراض راض بتصريفه بين أقدار الله تعالى منطاع لذلك لين الجانب برضاه وقلة سخطه كطاعة خامة الزرع وانقيادها للرياح وتمايلها لهبوبها وترنحها من حيث ما أتتها فإذا أزاح الله عن المؤمن رياح البلايا واعتدل صحيحا كما اعتدلت خامة الزرع عند سكون رياح الجو رجع إلى شكر ربه ومعرفة نعمته عليه برفع بلائه منتظرا رحمته وثوابه عليه، فإذا كان بهذه السبيل لم يصعب عليه مرض الموت ولا نزوله ولا اشتدت عليه سكراته ونزعه لعادته بما تقدمه من الآلام ومعرفة ما له فيها من الأجر وتوطينه نفسه على المصائب ورقتها وضعفها بتوالى المرض أو شدته والكافر بخلاف هذا معافى في غالب حاله ممتع بصحة جسمه كالأرزة الصماء حتى إذا أراد الله هلاكه قصمه لحينه ________________________________________ (قوله خامة الزرع) بخاء معجمة: في الصحاح: الخامة الغضة الرطبة من النبات، وفى الحديث (مثل المؤمن مثل الخامة من الزرع يميلها الريح) (قوله تكفؤها بفتح أوله وسكون ثانيه وكسر ثالثه أي تقلبها (قوله مثل الأرزة) قال ابن قرقول: الأرزة بفتح الهمزة وسكون الراء، كذا الرواية، هي الصنوبر، وقال أبو عبيد إنما هو الآرزة على وزن الفاعلة ومعناه النابتة في الأرض، وأنكر هذا أبو عبيد، انتهى وقال ابن الأثير الأرزة بسكون الراء وفتحها: شجرة الأرز وهو خشب معروف وقيل هو الصنوبر (قوله معتدلة) أي مكنزة ولا يجلجل فيها، قاله ابن الأثير (*) ________________________________________ [ 209 ] على غرة وأخذه بغتة من غير لطف ولا رفق فكان موته أشد عليه حسرة ومقاساة نزعه مع قوة نفسه وصحة جسمه أشد ألما وعذابا ولعذاب الآخرة أشد كانجعاف الأرزة وكما قال تعالى (فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون) وكذلك عادة الله تعالى في أعدائه كما قال الله تعالى (فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة) الآية، ففجأ جميعهم بالموت على حال عتو وغفلة وصبحهم به على غير استعداد بغتة ولهذا ذكر عن السلف أنهم كانوا يكرهون موت الفجأة ومنه في حديث إبراهيم كانوا يكرهون أخذة كأخذة الأسف أي الغضب يريد موت الفجأة * وحكمة ثالثة أن الأمراض نذير الممات وبقدر شدتها شدة الخوف من نزول الموت فيستعد من إصابته وعلم تعهدها له للبقاء ربه ويعرض عن دار الدنيا الكثيرة الأنكاد ويكون قلبه معلقا بالمعاد فيتنصل من كل ما يخشى تباعته من قبل الله وقبل العباد ويؤدى الحقوق إلى أهلها وينظر فيما يحتاج إليه من وصية فيمن يخلفه أو أمر يعهده وهذا نبينا صلى الله عليه وسلم المغفور له ما تقدم وما تأخر قد طلب التنصل في مرضه ممن كان له عليه مال أو حق في بدن وأقاد من نفسه وماله وأمكن من القصاص منه على ما ورد في حديث الفضل وحديث ________________________________________ (قوله كانجعاف) بكسر الجيم: أي كانقلاع (قوله ولهذا ما كره السلف موت الفجاءة) (ما) هنا زائدة وكذلك فيما يقع في بعض النسخ ولهذا ما ذكر عن السلف أنهم كانوا يكرهون موت انفجاءة (قوله كأخذة الأسف) الأخذة بفتح الهمزة وسكون الخاء المعجمة، والأسف بفتح السين المهملة الغضب (قوله تباعته) بكسر أوله: أي تبعته (قوله من قبل) بكسر القاف وفتح الموحدة (14 - 2) (*) ________________________________________ [ 210 ] الوفاة وأوصى بالثقلين بعده: كتاب الله وعترته، وبالأنصار عيبته، ودعا إلى كتب كتاب لئلا تضل أمته بعده إما في النص عليه الخلافة أو الله أعلم بمراده ثم رأى الإمساك عنه أفضل وخيرا وهكذا سيرة عباد الله المؤمنين وأوليائه المتقين وهذا كله يحرمه غالبا الكفار لإملاء الله لهم ليزدادوا إثما وليستدرجهم من حيث لا يعلمون، قال الله تعالى (ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون) ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في رجل مات فجأة: (سبحان الله كأنه على غضب المحروم من حرم وصيته) وقال: (موت الفجأة راحة للمؤمن وأخذه أسف للكافر أو الفاجر) وذلك لأن الموت يأتي المؤمن غالبا مستعد له منتظر لحلوله فهان أمره عليه كيفما جاء وأفضى إلى راحته من نصب الدنيا وأذاها كما قال صلى الله عليه وسلم (مستريح ومستراح منه، وتأتى الكافر والفاجر منيته على غير استعداد ولا أهبة ولا مقدمات منذرة مزعجة (بل تأتيهم بغتة فتبهتهم فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون) فكان الموت أشد شئ عليه وفراق الدنيا أفظع أمر صدمه وأكره شئ له. وإلى هذا المعنى أشار صلى الله عليه وسلم بقوله: (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومنكره لقاء الله كره الله لقاءه) ________________________________________ (قوله بالأنصار عيبته) بفتح العين المهملة وسكون المثناة التحتية أراد أنهم موضع سره وأمانته كعيبة الثياب التى يضع فيها الشخص متاعه (قوله أفظع) بالفاء والظاء المعجمة أي أعظم وأشد (*)   بیان دیدگاه شیعه در مساله -  الصحيح من السيرة - السيد جعفر مرتضى ج 4   ص 168 : تأبير النخل و يقولون : إن النبي ( ص ) لما قدم المدينة مر بقوم يؤبرون النخل ، أي يلقحونه - أو سمع ضجتهم - فقال : لو لم تفعلوا لصلح ، فتركوا تلقيحه ، فخرج شيصا ( 2 ) ، فمر بهم ( أو قيل له ) فقال : ما لنخلكم ؟ قالوا : قلت : كذا وكذا . * ( هامش ) * ( 2 ) الشيص هو : ردئ التمر ، وهو الذي لا يشتد نواه . صفحة 169: قال : أنتم أعلم بامور دنياكم . أو قال : إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه ، فإني إنما ظننت ظنا ، فلا تؤاخذوني بالظن ، ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئا فخذوا به ، فإني لن أكذب على الله عزوجل ( 1 ) . ونحن نشك في صحة ذلك ، إذ مضافا إلى الاختلاف الظاهر في نصوص الرواية ، كما يظهر بالمراجعة والمقارنة ، لابد أن نسال : لماذا يتدخل النبي الاعظم " صلى الله عليه وآله وسلم " فيما لا يعنيه ، وما ليس من اختصاصه ؟ ! ألا يعلم : أن الناس يهتمون بكل كلمة تصدر منه ، ويرتبون الاثر عليها ، ويلتزمون بها ؟ ! . ولماذا يعرض الناس إلى هذا الضرر الجسيم ؟ ! . ومن هو المسؤول عن هذه الأضرار التي سببتها مشورته تلك ؟ ! . ثم إنه كيف يقول ذلك لهم ، وهو الذي أمر عبد الله بن عمرو بن العاص بان يكتب عنه كل ما يسمع ، فإنه لا يخرج من بين شفتيه إلا الحق ؟ ! . وقد قدمنا الرواية مع مصادرها في الجزء الاول فلتراجع هناك . وأيضا لقد كان النبي " صلى الله عليه وآله وسلم " يعيش في قلب المنطقة العربية ، وقد جاوز الثلاث وخمسين سنة ، فهل يمكن أن نصدق أنه لم يكن يعرف تأبير النخل وفائدته ، وأن النخل لا ينتج بدونه ؟ وكيف لم يسمع طيلة عمره المديد شيئا عن ذلك ، وهو يعيش بينهم ومعهم ؟ أو على الاقل بالقرب منهم ؟ ! * ( هامش ) * ( 1 ) راجع : صحيح مسلم ج 7 ص 95 ، وسنن ابن ماجة ج 2 ص 825 ، كتاب الرهون باب 15 ، ومسند أحمد ج 6 ص 123 وج 3 ص 152 ، والبرصان والعرجان ص 254 ، ومشكل الآثار ج 2 ص 294 ، وكشف الأستار عن مسند البزارج 1 ص 112 ، ومسند أبي يعلى ج 6 ص 238 و 198 ، وصحيح ابن حبان ط مؤسسة الرسالة ج 1 ص 201 . ( * )  صفحة 170 : و أخيرا ، هل صحيح : أنه ليس على الناس أن يطيعوه في أمور دنياهم ؟ ! وأنه إنما كان يقول برأيه فيها ؟ ! . وهل صحيح : أن الاسلام يفصل بين الدين والدنيا ؟ وأن مصب اهتماماته هو ما عدا أمور دنياهم ؟ ! أليس هذا بهتانا على الاسلام وافتراء عليه ؟ ! ! ألا يتنافى ذلك مع القرآن والسنة ، ومع الاسلام بمجموعه ؟ !   -  تهذيب الأصول - تقرير بحث السيد الخميني ج 3   ص 112 : اعلم ان للنبى الاكرم مقامات ثلاثة ( الاول ) النبوة والرسالة وهو صلى الله عليه وآله بما انه نبى ورسول ينبئ عن الله ويبلغ احكامه خطيرها وحقيرها حتى ارش الخد ، ( الثاني ) الحكومة والسلطنة ، فهو صلى الله عليه وآله سلطان الامة والحاكم بينهم ،  صفحة 113 :  وسائس العباد في البلاد وهو بما ان له السلطنة والحكومة ، يرسل سرية ويأمر بالجهاد ويعد القوة ويقضى على المتخلف الي غير ذلك من شئون الحكومة الالهية في الخلق ، والفرق بين المقامين اوضح من ان يخفى ، فانه صلى الله عليه وآله بما انه نبى ورسول ليس له امر ولا نهى ، ولا بعث ولا زجر بل كلما يأمر به أو ينهى عنه فارشاد إلى امره تعالى ونهيه فلو اطاع المكلف أو عصى ، فانما اطاع امر الله ونهيه ، وهكذا إذا عصى تكاليفه ، واما بالنسبة إلى رسوله ومبلغ احكامه فليس له في ميادين التشريع امر ولا نهى حتى يتصور الاطاعة والعصيان بالنسبة إليه ، فمثل الرسول واوصيائه في تبليغ احكامه كمثل الفقهاء بالنسبة إلى مقلديهم في انهم امناء الله في نشر احكامه و بسط تكاليفه ، من دون ان يكون لهم مولوية بالنسبة إلى ما يبلغونه ، فلو قال الامام : اغسل ثوبك من ابوال مالا يؤكل لحمه ، فهو وان كان بصورة الامر لكنه ارشاد إلى الامر الالهى وانه تعالى امر بكذا أو امرني بتبليغه ، وما على الرسول الا البلاغ ، فهكذا إذا تفوه به المقلد . واما إذا امر بما انه سائس الامة وسلطانها ، فيجب اطاعته ويحرم مخالفته فلو خالف فانما خالف امر الرسول ونهيه ، ولو اطاع فقد اطاعه ، والاطاعة والعصيان عندئذ ينسب إلى الرسول ابتداءا ويكون اوامرها ونواهيها ( ح ) مولوية ذات اطاعة وعصيان ، من دون ان يكون ارشادا إلى حكم الهى ، أو إلى بعثه وزجره وان كانت هذه السلطنة مجعولة من الله تعالى بالنسبة إليه ، لكن الامر والجعل بعدما تم واستتم ، يكون صاحب المقام ذا دستور وامر وزجر مستقلا ، والى ذلك يشير قوله تعالى : اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولى الامر منكم ، فامر باطاعة اولى الامر بما انهم اولياء الامة كما انه امر باطاعة رسوله واطاعة نفسه والى ذلك ينظر قوله عزوجل : وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله امرا ان يكون لهم الخيرة من امرهم و من يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا بعيدا . إلى غير ذلك من الآيات ( الثالث ) مقام القضاوة وفصل الخصوصة عند التنازع في مال أو حق أو ميراث واشباهه ، فهو يحكم ويفصل ويقضى ويبرم بما انه قاضى الامة ، وحاكمها الشرعي في الامور الحسبية ، ويكون ما  صفحة 114 : قضى به لازم الاطاعة ، ولا يجوز التخلف عنه ، وهذه المناصب قد تجتمع في شخص واحد كما في نفس الرسول واوصيائه وربما يجعل الحكومة لشخص ، فيجب اطاعة قوله فيما يرجع إلى شئون السلطنة دون ما يرجع إلى شئون القضاوة ويجعل القضاوة لشخص آخر فيتبع قوله في شئونها من فصل الخصومة ، وربما يكون شخص واحد قاضيا وحاكما والحاصل ان هذه مناصب ثلاثة ، ولكل واحد آثار والرسول مع انه نبى ورسول ، ومبلغ سلطان حاكم يجب اطاعته في شئون الخلافة والسلطنة الالهية ، وقاض يتبع قضائه في مختلف الامور ، واليه ينظر قوله سبحانه : فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ( النساء - 65 ) وسوف يوافيك البحث عن هذه المناصب عند البحث عن النيابة العامة للفقيه في محالها فانتظر . إذا عرفت المناصب الثلاثة ووقفت على آثارها فاعلم : ان كلما ورد في الروايات من الرسول ووصيه من انه قضى اوامر ، فهو ظاهر في انه قضى به أو امر به ، بما انه قاضى الامة ، وسائسها لا بما انه مبلغ الاحكام وناشرها حتى يكون ارشادا إلى امره وحكمه تعالى فان ذلك خلاف ظاهر اللفظ فلا يؤخذ حتى يقوم عليه القرينة ( وبالجملة ) إذا جاء في الاثر الصحيح ان الرسول امر به وحكم ، أو قضى وابرم فهو ظاهر في امر الرسول نفسه وحكمه وقضائه بما ان له مناصب الحكومة والقضاوة لا بما انه مبلغ للحرام والحلال ، لما عرفت من انه ليس للرسول واوصيائه امر في احكامه وحلاله وحرامه تعالى وليس ذا امر ونهى ، ولا ذا بعث وزجر ، فلو قال الراوى انه صلى الله عليه وآله امر وقضى اقتضى ظهور اللفظ ان الامر امره والقضاء قضائه يجب الاخذ به ولا يعدل إلى غيره من الارشاد إلى امره تعالى الا بدليل . ويرشد إلى هذا انك فلما تجد امثال هذه التعابير ( قضى ، امر ، حكم ) في غير الرسول والامير ، ممن حالت الاعداء بينهم وبين مناصبهم الشرعية من السلطنة والقضاوة ولم يساعد الزمان على قضائهم وحكومتهم ، ولكن تجدها كثيرا في الاثر المنقول من الرسول ووصيه عليهما السلام و ( عليه ) فلو دل دليل علي ان المراد من قوله : قضى اوامر ، هو الارشاد الي حكمه تعالى وامره ، وحلاله وحرامه فتأخذ  صفحة 115 :  بمقتضى الدليل والا فاللفظ ظاهر في انه الامر المولوي والقضاء والحكومة لا الارشاد إلى حكمه وامره تعالي شأنه فانه مجاز لا حقيقة . ربما يعبر عن الاوامر الصادرة عنهم عليهم السلام بما ان لهم مناصب السلطنة والحكومة والقضاوة ، بلفظة " قال " ويقال : قال رسول الله أو امير المؤمنين لمن تخاصما في مال أو ميراث ان المال لصاحب البينة ، وقال لاسامة : انت زعيم الجيش فاذهب بسريتك إلى قطر من اقطار الشام ، لكن ذلك لا يضر بالمرام ، فان القرائن الحالية قائمة على ان الامر كان امرا سلطانيا وان قوله هذا قضاء بالحمل الشايع ، من دون ان يحتاج إلى التعبير عنه بلفظة قضي أو امر ، ولك ان تقول ان قوله : امر بكذا ظاهر في الامر المولوي السلطاني وان قوله : قضى ظاهر في القضاء وفصل الخصومة ، وان قوله : حكم مردد بينهما ، واما ما ورد في الاثار من التعبير بانه صلى الله عليه وآله قال فدلالته على انه كان امرا مولويا سلطانيا يحتاج إلى قرينة دالة عليه ، واما إذا نقل بصيغ الامر فهي ظاهرة في حد انفسها في الامر المولوي فالعدول عنه يحتاج إلى دليل آخر . الامر الرابع : في سرد بعض الروايات الصادرة عنهم عليهم السلام بالالفاظ المتقدمة ، ونردفه بما ورد عنهم عليهم السلام بغير تلك الالفاظ غير ان القرائن متظافرة على ان الاوامر اوامر مولوية سلطانية وان الحكم حكم قضائي ، اما القسم الاول فنذكر منه غيضا من فيض 1 - ما رواه ثقة الاسلام عن ابى عبدالله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله انما اقضي بينكم ، بالبينات والايمان . 2 - وعن تفسير الامام عليه السلام عن امير المؤمنين ( ع ) قال كان رسول الله يحكم بين الناس بالبينات والايمان 3 - روى ثقة الاسلام عن ابى عبدالله عليه السلام قال كان رسول الله يقضى بشاهد واحد مع يمين صاحب الحق . 4 - وعنه عليه السلام حدثنى ابى ان رسول الله قد قضى بشاهد ويمين ، إلى غير ذلك صفحة 116 : من الروايات ودونك اقضية الامام امير المؤمنين المروية بانه عليه السلام قضي في واقعة كذا وكذا ، وربما يبدل هذا بلفظ الاجازة كما عن ابى جعفر : قال لو كان الامر الينا اجزنا شهادة الرجل الواحد إذا علم منه خير مع يمين الخصم في حقوق الناس فاما ما كان من حقوق الله عزوجل أو رؤية الهلال فلا ، وفي بعض الروايات ، اجاز رسول الله شهادة شاهد مع يمين طالب الحق : والمستفاد من الروايتين ان الاجازة ، اجازة سلطاني ، وتنفيذ مولوى ، واليك بعض الروايات الحاكية لقضايا رسول الله بما انه سلطان . 5 - روى الكليني عن عقبة بن خالد ان النبي قضى في هوائر النخل ( 1 ) ان يكون النخلة والنخلتان للرجل في حائط الآخر فيختلفون في حقوق تلك فقضى بها ان لكل نخلة من اولئك من الارض مبلغ جريدة من جرائدها حين بعدها 6 - وعن الصادق عليه السلام قال : قضى النبي في رجل باع نخلا واستثنى عليه نخلة فقضي له رسول الله بالمدخل إليها والمخرج منها ومدى جرائدها . 7 - وعن ابى عبدالله عليه السلام : قال سمعته يقول قضى رسول الله في سيل وادى مهزور للزرع إلى الشراك ، وللنخل إلى الكعب ثم يرسل الماء إلى اسفل من ذلك قال ابن عمير ، ومهزور موضع واد . و اما القسم الثاني اعني ما ورد بلفظة " قال " أو " يقول " غير ان القرائن هادية إلى المراد وان المرمى هو الحكم والقضاء فهى كثيرة واليك نقل بعض منها . 1 - ما رواه ثقة الاسلام عن عقبة بن خالد عن ابى عبدالله في رجل اتى جبلا فشق فيه قناة فذهبت قناة الاخر بماء قناة الاول قال فقال : يتقاسمان وفى نسخة ( يتقايسان ) بحقائب البئر إلى آخرها ، ورواه الصدوق نحوه وزاد وقضى رسول الله بذلك وقال : ان كانت الاولى اخذت ماء الاخيرة الخ : وقد اوردنا الرواية بتمامها في صدر الرسالة 2 - ما رواه الشيخ في ابواب الجهاد عن ابى جعفر عن آبائه ، ان النبي قال : فاقتلوا المشتركين واستحيوا شيوخهم وصبيانهم ، ولا يبعد ان يكون الامر * ( هامش ) *  ( 1 ) مساقط ثمراتها - المؤلف . صفحة 117 : مولويا سلطانيا . ( 1 ) 3 - ما رواه ثقة الاسلام عن ابى عبدالله في آداب الجهاد قال كان رسول الله إذا اراد ان يبعث سرية دعاهم فاجلسهم بين يديه ثم يقول : سيروا باسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وآله لا تغلوا ولا تمثلوا ولا تغدروا ولا تقتلوا شيخا فانيا ولا صبيا ولا امرئة ولا تقطعوا شجرا الا ان تضطروا إليها . 4 - ما رواه الكليني عن ابراهيم بن جندب عن ابيه ان امير المؤمنين كان يأمر في كل موطن لقينا فيه عدونا فيقول : لا تقتلوا القوم حتى يبدؤكم فانكم بحمد الله على حجة ، وترككم اياهم حتى يبدؤكم حجة اخرى لكم فإذا هزمتموهم فلا تقتلوا مدبرا ولا تجيزوا علي جريح ولا تكشفوا عورة ولا تمثلوا بقتيل . هذا بعض ما يمكن ان يستشهد لما قصدناه واليك بيان ما هو المحصل من هذه الامور . الغاية من القالة إذا عرفت ما اوضحناه من الامور فاعلم ان المحتمل جدا بل هو المتعين حسب القرائن الواصلة ان قوله صلى الله عليه وآله : لا ضرر ولا ضرار ، بمعنى النهى عن الضرر ، لكن لا بمعنى النهى الالهى كاكثر النواهي المذكورة في الكتاب والسنة ، بل بمعنى النهى السلطاني والحكم المولوي وقد صدر عنه بما انه سائس الملة وقائدها ورئيس الملة واميرها ، وانه صلى الله عليه وآله نهى ان يضر الناس بعضهم ببعض ، وان يجعل احد احدا في ضيق وحرج ومشقة وقد القاه صلى الله عليه وآله علي الوجه الكلى حتى يكون حجة على الكل في جميع الادوار وهو بما انه نهى سلطاني صدر عن نبي مفترض الطاعة ، يجب اقتفاء اثره واتباع قوله - هذا هو المدعى - واما ما يدل عليه فمن طرق العامة ما رواه احمد بن حنبل في مسنده برواية عبادة بن صامت ، حيث وقفت على انه رواه بلفظة " وقضى " ان لا ضرر ولا ضرار ثم ساق سائر الاقضية ، وقد اوضحنا ان لفظة " قضى وحكم وامر " ظاهر في كون المقضى والمحكوم به من احكام رسول الله صلى الله عليه وآله بما هو سلطان ، أو * ( هامش ) *  ( 1 ) وهو بعيد جدا مع تظافر الاوامر على وجوب قتل المشركين من الله تعالى في الذكر الحكيم وانه يجب قتلهم اينما ثقفوا - المؤلف . صفحة 118 :  من قضائه بما هو قاض ومعه لا مجال لحمله على انه صلى الله عليه وآله بصدد الحكم النازل إليه من عند الله ، إذ ليس المقام مقامه وظاهر الكلام على خلافه ، كما ان المقام ليس مقام فصل الخصومة والقضاء كما لا يخفى فينحصر قوله : لا ضرر في كونه نهيا سلطانيا اراد به نهى الامة عن الاضرار وايجاد الضيق والحرج ولا ينافى ما ذكرنا من انه نهى سلطاني مع ما تقدم منا ان لفظة " قضى " ظاهر في ان الحكم المتلو له صادر عنه صلى الله عليه وآله بما هو قاض ، فان ذلك صحيح إذا لم يقم قرينة على كونه ليس بصدد فصل الخصومة والقضاء كما عرفت . وما يظهر من وحيد عصره شيخ الشريعة ( قدس سره ) من انه نهى الهى مستدلا بان شراح الحديث فسروه بانه : لا يضر اخاه ، في غير محله لما عرفت من ان جعل النهى ، نهيا الهيا ، مضافا إلى كونه خلاف ظاهر قوله : " قضى " ان المقام ليس من قبيل تبليغ احكام الله وكشف مراده كما ان المعنى المعروف بين الاعلام بانه بصدد نفى الحكم الشرعي الضررى لا يجتمع مع رواية احمد بن جنبل ، إذ أي تناسب بين قضائه ونفى الحكم الضررى . وما استند إليه ( قدس سره ) من تفسير شراح الحديث لا يثبت مارامه ، فانه ( قدس سره ) نقل عبائرهم بانهم قالوا ان معناه : لا يضر اخاه ، وهو لا يدل على ، كون النهي من الله ، أو من قبل الرسول صلى الله عليه وآله بما انه سلطان وحاكم ، لا نبي ورسول ومبلغ للحلال والحرام ، بل كلامه ايضا غير صريح في كون النهى ، نهيا شرعيا بل هو بصدد بيان النفى بمعنى النهى ، قبال ما افاده الاعلام ، وان كان المتبادر منه كون النهى الهيا وحكما شرعيا . واما ما ثبت وروده من طرقنا هو قضية سمرة والاثار الواردة من طرق الشيعة و ان لم يكن مصدرة بلفظة " قضي " ونحوه الا ان التأمل في صدر القضية وذيلها و الامعان في هدف الانصاري حيث رفع الشكاية إلى النبي صلى الله عليه وآله ليدفع عنه الظلم ، والتدبر في انه لم يكن لواحد منهما شبهة حكمية ولا موضوعية ، يورث الاطمئنان ويشرف الفقيه بالقطع على ان الحكم حكم سلطاني ، والنهى نهى مولوي من جانب النبي علي  صفحة 119 :  ان لا يضر احد احدا وان من كان في حوزة حكومتي مصون من الضرر والضرار ، والحاصل ان الانصاري لما كره ورود سمرة ذلك الرجل الفاسق الفاجر الذى سود صحيفة تاريخ حياته برده قول النبي والتجرى عليه رفع الشكاية إلى رئيس الملة بعدما شافه الانصاري نفس سمرة واتم عليه الحجة ، ولم يقبله حتى يرفع عنه الظلم ويحمى عنه ، حماية الحاكم والسلطان عن رعيته ، ومن يعيشون تحت ظل لوائه فاحضره النبي ، ونقل إليه شكاية الانصاري وامر عليه ان يستأذن عند وروده فابى سمرة عن قبوله ، فلما تأبى استبداله . بنخلة اخرى الي آخر ما في الرواية امر صلى الله عليه وآله بقلع الشجرة خسما لمادة الفساد ، وحكم بانه لا يضر في ظل لوائى احد احدا ، ولا يوقع احد حرجا وضيقا على احد فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله بعد تلك المقاولات بصدد بيان حكم الله الواقعي حتى يفسر بان الاحكام الواقعية لا ضرر فيها ، وانه لم يشرع حكما ضرريا ، أو بصدد بيان النهى الالهى الموجه إلى عباده بلسان رسوله صلى الله عليه وآله بان الله نهى ان يضر احد احدا ، بل هذا وذاك ، لا يتبادران ، إذا لوخظت القرائن الحافة بالكلام ، وان المقام لم يكن مناسبا لبيان حكم الله على أي وجه كان ، بل كان مناسبا لاعمال المولوية وانفاذ الكلمة حتى ينحسم مادة الفساد ، ويرتفع الغائلة ويحصل بها الطمأنينة لكل من يعيش ظل لواء الاسلام ، في حمى حكومة الرسول صلى الله عليه وآله ويشاهد الباقون انه صلى الله عليه وآله امر بقلع الشجرة ، وحكم ان الرعية ممنوعون عن الضرر والضرار دفاعا عن المظلوم وسياسة للعباد . فعلى ما قررناه يكون ما ورد من طرقنا موافقا لما عن طرق العامة المنتهية إلى عبادة بن صامت الذى لم يشك فيه اثنان ، فقد صرحوا باتقانه وضبطه ، ويظهر من معاجم الشيعة انه من اجلائهم ، حتى روى الكشي عن الفضل بن شاذان ، انه من السابقين الذين شهدوا الغزوات والمعارك ، كبدر واحد والخندق وعامة المشاهد مع النبي صلى الله عليه وآله وانه من الذين رجعوا إلى امير المؤمنين نظراء : ابن التيهان وجابر بن عبدالله وخزيمة بن ثابت وابى سعيد الخدرى ، وممن شهدوا العقبتين إلى غير ذلك من كلمات الثناء التى تجدها في ترجمة الرجل في محالها ، ويؤيد اتقانه ان ما روى عنه احمد بن  صفحة 120 :  حنبل من اقضية النبي - كما مثلناه بطوله - مروية بعين الفاظها أو قريبة منها في جوامعنا عن الصادقين ، متفرقة في ابواب متفرقة ، غير ان صاحب المسند جمعها في رواية واحد ( 1 ) . فذلكة المقام والحاصل : ان الذى دعانا إلى هذا الوجه ، أنما هو تظافر القرائن على صحته وعدم الطمأنينة بما ذكره الاعلام في تفسير الحديث فان ما اختاره شيخنا الاعظم ( رحمه الله ) لم يكن خاليا من اشكالات غير منحلة - كما عرفت - اضف إلى ذلك ان ما اختاره من المذهب يستلزم ان لا يكون الحديث من اقضية النبي صلى الله عليه وآله مع انه من قضايا بل قيل من اشهر ما قضى به النبي صلى الله عليه وآله ولا يوجد أي تناسب بين صدر الواقعة وذيلها فان شأن الحديث وان كان غير مروى في كتب العامة الا انه مروى في كتبنا وقد عرفت ان الصدر متضمن رفع الشكاية من المظلوم عن الظالم إلى رئيس الملة وسلطانها المطلق ، واى تناسب بينه وبين الاخبار عن نفى الحكم الضررى وعدم جعلها ، واى تناسب في تعليل قلع الشجرة بقوله : لا ضرر ولا ضرار مضافا إلى عدم معهودية ما ذكره من المعنى من امثال هذه التراكيب الدارجة في كلمات الفصحاء الواردة في الآثار الشرعية عن بيوت الوحى ، فان الغالب انما هو نفى الاثر بلسان نفى موضوعه أو النهي بلسان النفى ، واما نفى عنوان ( الضرر ) وارادة نفى ماله ادنى دخالة في تحققه فلم يعهد من هذا التركيب ، وقد اوضحنا ان الحكم الشرعي ، ليس علة أو سببا توليد باللضرر وانما له ادنى دخالة في تحققه بما انه باعث اعتبارا نحو الموضوع الذى فيه الضرر ، وهو السبب الوحيد له . واما ما افاده المحقق الخراساني من ان المعهود في مثل هذا التركيب هو نفى * ( هامش ) * ( 1 ) غير ان تصحيح آخر السند لا يفى بتصحيح الوسائط ، وقد تقدم عن سيدنا الاستاذ التصريح بان ما رواه احمد ليس حجة عندنا ، ذكره دام ظله في رد بعض الاعاظم حيث تسلم وروده ، مستقلا ، والظاهر ان غرضه الاستئناس وتوفير الشواهد والقرائن على ان الحكم حكم مولوى سلطاني - المؤلف . صفحة 121 : الاثر بلسان نفى الموضوع وان كان صحيحا غير ان المقام ليس من صغريات ما ادعاه ، لما عرفت ان الحكم الشرعي ليس اثرا للضرر ، ولا الضرر موضوعا له . نعم : يمكن تصحيح ما ذكره بشرط ثبوت امرين : الاول قلة الاحكام الضررية في صفحة التشريع بحيث ينزل الموجود منه منزلة المعدوم الثاني : ادعاء انه لا شئون للضرر من الشئون غير الحكم الضررى كما لا شأن للرجل غير المروءة والشجاعة حتى يصح ادعاء ان المسبب عين السبب فلو ثبت هذان الامران امكن نفى الضرر وارادة نفى الحكم الضررى بتنزيل الموجود منزلة المعدوم ، وانى يمكن اثباتهما إذ هو يستلزم - على مبنى المشهور في المجاز - استعمال اللفظ الموضوع للمسبب في السبب ، مع عدم ثبوت الامرين في حد نفسهما مضافا إلى غرابته وعدم معهوديته . واما ما ايده وحيد عصره تبعا لشراح الحديث فهو احسن الوجوه بل هو المتعين غير ان الاختلاف بيننا وبينهم في منشاء النهى فيظهر منهم انه نهى الهى القاه رسول الله صلى الله عليه وآله على النحو الكلى واستند إليه في ردع سمرة عن الدخول بغير استئذان بل في امر الانصاري بقلع الشجرة كما يظهر من عبائره " قدس سره " واما علي ما استظهرناه فهو نهى مولوى صادر عنه صلى الله عليه وآله بما هو سائس الملة ، ورئيسهم حسب القرائن التى اوردناها واظن ان هذا الوجه اصوب الوجوه فان ثبت اتقانه عندك وتعينه ، فهو من فضل الله تعالى ، والا فاجعله احد المحتملات لعل الله يحدث بعد ذلك امرا. دفع توهم يمكن ان يتوهم متوهم ان الرسول صلى الله عليه وآله قد استند في امره بالقلع والرمى بها على وجهه على قوله : فانه لا ضرر ولا ضرار ، وظاهر الاستناد ، والفاء المفيد للتعليل ، انه حكم الهى ، وقاعدة كلية من الله تعالى ، وهو صلى الله عليه وآله اتكل على الحكم الالهي ، و امر الانصاري بقلعها ورميها فعلل عمل نفسه بالحكم الصادر من الله ، ولا يناسب ان يفسر عمل نفسه ويعلله بحكم نفسه ، ولكنه مدفوع ، وما ادعاه من الظهور ممنوع بل الظاهر خلافه ، فان الانصاري لما رفع شكواه إلى النبي الاعظم واستدعاه النبي و امره بالاستئذان عند الدخول وهو كان رجلا مضارا تخلف عن حكمه ، مست الحاجة  صفحة 122 :  إلى تأديبه فاصدر حكمه السياسي لحفظ نظام الامة وامر بقلعها ورميها إلى وجهه ثم علل هذا الحكم التأديبي بالحكم السياسي الكلى وانه لا ضرر ولا ضرار ، وانه لا يجوز ان يضر احد احدا في حوزة حكومتي ، وحمى سلطاني ، فعلى هذا يتوافق الجمل ويتضح التناسب بين المعلول ( قلع الشجرة ) وتعليلها ( لا ضرر ولا ضرار ) بلا ادنى تكلف فان كلا من المعلول وعلته حكم سياسي تأديبي لحفظ النظام ، واما على ما افاده الاعلام فلا يتضح التناسب بينهما الا على تأويل سوف نرجع إليه في التنبيه الآتي ، " وبالجملة " : لا يصح تعليل حكمه بالقلع والرمى بانه لم يشرع حكما ضرريا ، أو ان الله نهى عن ان يضر احد احدا ، مع ان نفس القلع ضرر ، والحكم به ضررى ، اضف إلى ذلك : مرسلة زرارة فانها كانت مشتملة علي قوله : " على مؤمن " فهذا التقييد ، يؤكد كون النفى بمعني النهى ، وقد اوضحنا الوثوق بصدورها في صدر الرسالة ، فلا نعيده هنا و ( ح ) يتمحض النفي في النهى ، فإذا ضمت إليها القرائن الموجودة في صدرها وذيلها يسهل لك تصديق ما ذكرناه ويتضح انه نهى مولوى سلطاني ، لا نهى شرعى الهى فتدبر .   -  القواعد الفقهية - الشيخ ناصر مكارم ج 1   ص 71 : و هو ان مفاد هذه القاعدة حكم سلطاني بمنع اضرار الناس بعضهم ببعض ، فان للنبى صلى الله عليه وآله مقامات ثلثة : مقام النبوة وتبليغ الرسالة وهو من هذه الجهة مبلغ عن الله وحاك لاحكامه الظاهرية والواقعية ، كالمجتهد بالنسبة إلى الاحكام الشرعية المستفادة من الكتاب والسنة ، و ( مقام القضاء ) وذاك عند تنازع الناس في حقوقهم واموالهم فللنبى القضاء وفصل الخصومة بينهم ، و ( مقام السلطنة ) والرياسة من قبل الله ، نافذ امره ونهيه فيما يراه مصلحة للامة كنصب امراء الجيوش والقضاة واشباهها . وظاهر ان حكمه صلى الله عليه وآله في قضية سمرة بنفى الضرر والضرار ليس من الاول ولا الثاني ، لانه لم يكن للانصاري - ولا لسمرة - شك في حكم تكليفي أو وضعي في قضيتهما ، أو تنازع في حق اختلفا فيه من جهة اشتباههما في المصاديق أو الحكم ، وانما وقع ما وقع من الانصاري في مقام الشكوى والتظلم والاستنصار منه صلى الله عليه وآله بما انه سلطان على المسلمين وسائسهم مع وضوح الحكم والموضوع كليهما ، فأمره صلى الله عليه وآله بقلع النخلة حسما لمادة الفساد ثم عقبه بقوله لا ضرر ولا ضرار ، فهذا حكم سلطاني عام بعد حكمه الخاص ، ومعناه انه لا يضر احد احدا في حمى سلطاني وحوزة رعيتي وعلى جميع الامة اطاعته في ذلك والانتهاء بنهيه ، لا بما انه حكم من احكام الله بل بما انه حكم من قبل سلطان مفترض الطاعة ويشهد لهذا المعنى تصدير هذه الفقرة في رواية ( عبادة بن صامت ) المروية من طرق العامة بقوله : وقضى . الظاهر في هذا النوع من الحكم هذا ملخص ما يحكى صفحة 72 : عنه دام علاه في كلام طويل له في المقام . ولكن لا يخفى على المتأمل انه لا يمكن عد هذا معنى آخر للحديث بل يؤل إلى المعنى الثالث من المعاني السابقة الذى اختاره شيخ الشريعة الاصفهانى قدس الله سره الشريف ( من ارادة النهى من هذه الفقرة ) غاية الامر ان ظاهر القائلين بهذا المعنى هو النهى التشريعي على وزان ساير الاحكام الشرعية ومفاد هذا البيان كونه سنخا آخر من النهى سماه نهيا سلطانيا ، ومن المعلوم انه لا يظهر ثمرة بينهما بعد وجوب امتثال كل منهما على جميع الامة بلا تفاوت في ذلك ، والظاهر انه دام علاه ايضا ليس بصدد ذلك بل بصدد بيان تقريب آخر في اثبات كون ( لا ) بمعنى النهى لا النفى خلافا للعلامة الانصاري قدس الله سره واتباعه ، فلا يكون هذه القضية ناظرة إلى نفى الاحكام الضررية وحاكمة عليها ولا يجوز الاستدلال بها لنفى الاحكام الضررية مطلقا ومع ذلك يرد عليه اولا - ان كون ( لا ) هنا ناهية خلاف التحقيق كما مر بيانه مشروحا وثانيا - انه ان كان مراده من مقام سلطنة النبي صلى الله عليه وآله ان له تشريعا كتشريع الله في الاحكام الكلية على الموضوعات الكلية كالسلاطين في سابق الايام - وان كانت سلطنته حقة - اعطاه الله ذلك رعاية لمقامه السامى ، فهذا كما ترى ولا يظن ان يكون هذا مراده . وان اراد ان له مقام ولاية الامر والحكومة الشرعية بمعنى ان ( الامور الخاصة الجزئية ) التى ترتبط بمصالح الامة ، مما لا تندرج تحت ضابطة كلية ، كنصب الولاة و امراء الجيوش وعمال الصدقات وغيرها من امثالها ، كلها بيده وان تطبيق هذه الامور على ما يراها مصلحة للعباد وتشخيص مصاديقها موكول إلى نظره الشريف فهو وان كان من مقاماته قطعا ، الا انه لا يشمل مثل ( الضرر والضرار ) وما اشبههما ( من الموضوعات الكلية ) التى لها في الشرع حكم كلى لا محالة وليست من سنخ تلك الامور الخاصة التى لا تنضبط تحت قاعدة كلية يرد فيها حكم كلى كما هو ظاهر . وبعبارة اخرى : ان مقام السلطنة والحكومة وان كانت من مقامات النبي صلى الله عليه وآله والائمة عليهم السلام ، بل وحكام الشرع في الجملة بلا اشكال ، الا انها تختص بامور شخصية جزئية ترتبط بمصالح الامة مما لا تندرج تحت ضابط كلى ولا يمكن تشريعها  صفحة 73 :  في ضمن احكام كليه ، كنصب امراء الجيوش والقضاة وجباة الصدقات وامثالها مما لا يحيط الاحكام الكلية بجزئياتها وتختلف بحسب الازمنة والظروف فهذه الامور وان كانت احكامها الكلية واردة في الشرع بنحو بسيط ، مثل ما ورد في صفات القاضى و جابى الصدقة وغير ذلك ، الا ان تشخيص مواردها وتطبيقها على مصاديقها موكولة إلى نظر السلطان وولى الامر . واما غير هذه الامور من الاحكام الكلية الواردة على موضوعاتها الكلية فليست بيد السلطان بل بيد الشارع المقدس ، وليس للنبى تشريع في قبال تشريع الله حتى يكون هناك تشريعان في الاحكام الكلية . وان شئت قلت : ما من ( موضوع كلى ) الا و له حكم كلى في الشرع من قبل الله سبحانه وح لا يبقى مورد لتشريع النبي صلى الله عليه وآله احكاما كلية على موضوعاتها الكلية ، وانما سلطانه صلى الله عليه وآله على تعيين مصاديقها ، وتطبيق مصالح المسلمين على مواردها فيما يختلف باختلاف الظروف المختلفة ، ومن المعلوم ان الضرر والضرار من الموضوعات الكلية التى تحتاج إلى حكم كلى فليستافى حيطة سلطنة ولى امر المسلمين بل في حيطة التشريع الالهى لا غير . نعم لو كان حكمه مقصورا على قلع شجرة سمرة امكن القول بانه من قبيل الاحكام السلطانية ولكن ليس كذلك . وثالثا - الظاهر ان حكمه صلى الله عليه وآله في قضية سمرة كان من باب القضاء وكان المقام من مقامات التنازع في الحقوق والاموال ، غاية الامر انه قد يكون النزاع ناشيا من الجهل بالحكم واخرى من الجهل بمصاديقه . و الشاهد على ذلك ان سمرة - كما يظهر من الرواية - كان يدعى ان وجوب الاستيذان من الانصاري تضييق في دائرة سلطنته فيما كان له من حق العبور إلى نخلته ، فلذا قال : أستاذن في طريقي إلى عذقى ؟ والانصاري يرى ان له الزامه بذلك فشكاه إلى النبي صلى الله عليه وآله فقضى له عليه ، ثم ذكر حكما عاما شرعيا يستفاد منه احكام اشباهه ويشهد بذلك ما ورد في الرواية من التعبير بالقضاء وذكره في ضمن اقضية النبي صلى الله عليه وآله في روايات الفريقين وقد كان هذا العنوان ( عنوان القضاء ) مستعملا في هذا المعنى من لدن زمن النبي صلى الله عليه وآله إذا كان محفوظا بقرينة الدعوى والشكوى والمنازعة.