بسم الله الرحمن الرحیم

 گزیده ای از أمهات قواعد فقهی در کتاب های :

 1- "الأشباه والنظائر" للسیوطی                 صفحه ی 1

 2- "القواعد والفوائد" للشهید                     صفحه ی 16

 3- "القواعد الفقهیة" للبجنوردی                  صفحه ی 22

 4- "العناوین الفقهیة" للحسيني المراغي     صفحه ی 23   

 مربوط به درس قواعد فقهیه ؛ استاد محترم: آقای دکتر صابری   الأشباه والنظائر ، عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد السيوطي ، دار الكتب العلمية،  سنة النشر: 1403هـ/1983م ،  رقم الطبعة: ط1 ،  عدد الأجزاء: جزء واحد http://www.islamweb.net/ الكتب  »  الأشباه والنظائر  »  الكتاب الأول في شرح القواعد الخمس التي ترجع إليها جميع مسائل الفقه القاعدة الأولى الأمور بمقاصدها       القاعدة الثانية اليقين لا يزال بالشك القاعدة الثالثة المشقة تجلب التيسير        القاعدة الرابعة الضرر يزال القاعدة الخامسة الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة  القاعدة السادسة العادة محكمة الأشباه والنظائر ص 8 القاعدة الأولى: الأمور بمقاصدها فيها مباحث: المبحث الأول الأصل في قاعدة الأمور بمقاصدها  الأصل في هذه القاعدة قوله صلى الله عليه وسلم { إنما الأعمال بالنيات  } وهذا حديث صحيح مشهور أخرجه الأئمة الستة وغيرهم من حديث عمر بن الخطاب، والعجب أن مالكا لم يخرجه في الموطإ، وأخرجه ابن الأشعث في سننه من حديث علي بن أبي طالب الدارقطني في غرائب مالك، وأبو نعيم في الحلية من حديث أبي سعيد الخدري، وابن عساكر في أماليه من حديث أنس، كلهم بلفظ واحد وعن البيهقي في سننه من حديث أنس  { لا عمل لمن لا نية له  } وفي مسند الشهاب من حديثه { نية المؤمن خير من عمله  } وهو بهذا اللفظ في معجم الطبراني الكبير من حديث سهل بن سعد والنواس بن سمعان، وفي مسند الفردوس للديلمي من حديث أبي موسى . وفي الصحيح من حديث سعد بن أبي وقاص  { إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت فيها حتى ما تجعل في في امرأتك،  } ومن حديث ابن عباس  { ولكن جهاد ونية  }، وفي مسند أحمد من حديث ابن مسعود  { رب قتيل بين الصفين الله أعلم بنيته  }.  وعند ابن ماجه من حديث أبي هريرة وجابر بن عبد الله  { يبعث الناس على نياتهم  }، وفي السنن الأربعة من حديث عقبة بن عامر  { إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة الجنة، وفيه: وصانعه يحتسب في صنعته الأجر  }، وعند النسائي من حديث أبي ذر، { من أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم يصلي من الليل فغلبته عينه حتى يصبح كتب له ما نوى  }... .   المبحث الثاني فيما يرجع إلى هذه القاعدة من أبواب الفقه اعلم أنه قد تواتر النقل عن الأئمة في تعظيم قدر حديث النية .  قال أبو عبيدة : ليس في أخبار النبي صلى الله عليه وسلم شيء أجمع وأغنى وأكثر فائدة منه، واتفق الإمام الشافعي وأحمد بن حنبل وابن مهدي، وابن المديني، وأبو داود، والدارقطني وغيرهم على أنه ثلث العلم، ومنهم من قال: ربعه، ووجه البيهقي كونه ثلث العلم: بأن كسب العبد يقع بقلبه ولسانه وجوارحه، فالنية أحد أقسامها الثلاثة وأرجحها ; لأنها قد تكون عبادة مستقلة، وغيرها يحتاج إليها ومن ثم ورد { نية المؤمن خير من عمله.  }  وكلام الإمام أحمد يدل على أنه أراد بكونه ثلث العلم، أنه أحد القواعد الثلاث التي ترد إليها جميع الأحكام عنده فإنه قال: أصول الإسلام على ثلاثة أحاديث: حديث { الأعمال بالنية  }  وحديث { من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد  }  وحديث { الحلال بين والحرام بين  }.  وقال أبو داود : مدار السنة على أربعة أحاديث: حديث { الأعمال بالنيات  }، وحديث { من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه  }، وحديث " { الحلال بين والحرام بين  }، وحديث { إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا  }، وفي لفظ عنه: يكفي الإنسان لدينه أربعة أحاديث، فذكرها، وذكر بدل الأخير: حديث { لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يرضى لأخيه ما يرضى لنفسه  }.  وعنه أيضا: الفقه يدور على خمسة أحاديث: { الأعمال بالنيات  }، { والحلال بين  }، { ولا ضرر ولا ضرار  }، { وما نهيتكم عنه فانتهوا وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم  }.  وقال الدارقطني : أصول الأحاديث أربعة { الأعمال بالنيات  }، { ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه  }، { والحلال بين  }، { وازهد في الدنيا يحبك الله  }.  وحكى الخفاف من أصحابنا في كتاب الخصال عن ابن مهدي وابن المديني : أن مدار الأحاديث على أربعة: { الأعمال بالنيات  }، و { لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث  }، و { بني الإسلام على خمس  }، و { البينة على المدعي واليمين على من أنكر  }، وقال ابن مهدي أيضا: حديث النية يدخل في ثلاثين بابا من العلم.  وقال الشافعي : يدخل في سبعين بابا.  قلت: وهذا ذكر ما يرجع إليه من الأبواب إجمالا:  من ذلك: ربع العبادات بكماله، كالوضوء، والغسل فرضا ونفلا، و...  بل يسري ذلك إلى سائر المباحات إذا قصد بها التقوي على العبادة أو التوصل إليها، كالأكل، والنوم، واكتساب المال وغير ذلك، وكذلك النكاح والوطء إذا قصد به إقامة السنة أو الإعفاف أو تحصيل الولد الصالح، وتكثير الأمة، ويندرج في ذلك ما لا يحصى من المسائل.  ومما تدخل فيه من العقود ونحوها: كنايات البيع والهبة، والوقف، والقرض، والضمان، و...  ويدخل أيضا فيها في غير الكنايات في مسائل شتى: كقصد لفظ الصريح لمعناه، و...  وفي القصاص في مسائل كثيرة منها تمييز العمد وشبهه من الخطأ، و...  وفي اللقطة بقصد الحفظ أو التمليك، وفيما لو أسلم على أكثر من أربع، فقال: ...   المبحث الثالث فيما شرعت النية لأجله [ ص: 12 ]  المقصود الأهم منها: تمييز العبادات من العادات، وتمييز رتب العبادات بعضها من بعض، كالوضوء والغسل، يتردد بين التنظف والتبرد، والعبادة، والإمساك عن المفطرات قد يكون للحمية والتداوي، أو لعدم الحاجة إليه، والجلوس في المسجد، قد يكون للاستراحة، ودفع المال للغير، قد يكون هبة أو وصلة لغرض دنيوي، وقد يكون قربة كالزكاة، والصدقة، والكفارة، والذبح قد يكون بقصد الأكل، وقد يكون للتقرب بإراقة الدماء، فشرعت النية لتمييز القرب من غيرها، وكل من الوضوء والغسل والصلاة والصوم ونحوها قد يكون فرضا ونذرا ونفلا، والتيمم قد يكون عن الحدث أو الجنابة وصورته واحدة، فشرعت لتمييز رتب العبادات بعضها من بعض.    ومن ثم ترتب على ذلك أمور:  أحدها: عدم اشتراط النية في عبادة لا تكون عادة أو لا تلتبس بغيرها، كالإيمان بالله تعالى، والمعرفة والخوف والرجاء، والنية، وقراءة القرآن، والأذكار ; لأنها متميزة بصورتها، نعم يجب في القراءة إذا كانت منذورة، لتمييز الفرض من غيره، نقله القمولي في الجواهر عن الروياني، وأقره. الأمر الثاني: اشتراط التعيين فيما يلتبس دون غيره . [ ص: 14 ]  قال في شرح المهذب: ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم { . وإنما لكل امرئ ما نوى  } فهذا ظاهر في اشتراط التعيين، لأن أصل النية فهم من أول الحديث { إنما الأعمال بالنيات  }.  فمن الأول: الصلاة، فيشترط التعيين في الفرائض، لتساوي الظهر والعصر فعلا وصورة، فلا يميز بينهما إلا التعيين، وفي النوافل غير المطلقة، كالرواتب، فيعينها بإضافتها إلى الظهر مثلا، وكونها التي قبلها أو التي بعدها، كما جزم به في شرح المهذب، والعيدين، فيعينهما بالفطر والنحر. الأمر الثالث: مما يترتب على ما شرعت النية لأجله. [ ص: 18 ]  وهو التمييز اشتراط التعرض للفرضية وفي وجوبها في الوضوء، والغسل، والصلاة، والزكاة، والصوم، والخطبة، وجهان، والأصح اشتراطها في الغسل دون الوضوء ; لأن الغسل قد يكون عادة، والوضوء لا يكون إلا عبادة.  ووجه اشتراطها في الوضوء أنه قد يكون تجديدا، فلا يكون فرضا، وهو قوي وفي الصلاة دون الصوم ; لأن الظهر تقع مثلا نفلا كالمعادة، وصلاة الصبي، ورمضان، لا يكون من البالغ إلا فرضا فلم يحتج إلى التقييد به.  وأما الزكاة، فالأصح الاشتراط فيها إن أتى بلفظ الصدقة، وعدمه إن أتى بلفظ الزكاة ; لأن الصدقة قد تكون فرضا وقد تكون نفلا فلا يكفي مجردها، والزكاة لا تكون إلا فرضا لأنها اسم للفرض المتعلق بالمال، فلا حاجة إلى تقييدها به. وأما الحج والعمرة فلا يشترط فيهما بلا خلاف لأنه لو نوى النفل انصرف إلى الفرض، ويشترط في الكفارات بلا خلاف لأن العتق أو الصوم أو الإطعام يكون فرضا ونفلا. الأمر الرابع اشتراط الأداء والقضاء ... الأمر الخامس مما يترتب على التمييز الإخلاص ومن ثم لم تقبل النيابة ; لأن المقصود اختبار سر العبادة، قال ابن القاص وغيره: لا يجوز التوكيل في النية إلا فيما اقترنت بفعل، كتفرقة زكاة، وذبح أضحية، وصوم عن الميت وحج وقال بعض المتأخرين: الإخلاص أمر زائد على النية لا يحصل بدونها وقد تحصل بدونه، ونظر الفقهاء قاصر على النية، وأحكامهم إنما تجري عليها، وأما الإخلاص فأمره إلى الله، ومن ثم صححوا عدم وجوب الإضافة إلى الله في جميع العبادات.  ثم للتشريك في النية نظائر ; وضابطها أقسام: القسم الأول أن ينوى مع العبادة ما ليس بعبادة فقد يبطلها، ويحضرني منه صورة وهي ما إذا ذبح الأضحية لله ولغيره  ; فانضمام غيره يوجب حرمة الذبيحة ; ويقرب من ذلك ما لو كبر للإحرام مرات ونوى بكل تكبيرة افتتاح الصلاة، فإنه يدخل في الصلاة بالأوتار ; ويخرج بالأشفاع ; لأن من افتتح صلاة ثم افتتح أخرى بطلت صلاته ; لأنه يتضمن قطع الأولى، فلو نوى الخروج بين التكبيرتين خرج بالنية ودخل بالتكبيرة، ولو لم ينو بالتكبيرات شيئا ; لا دخولا ولا خروجا: صح دخوله بالأولى ; والبواقي ذكر، وقد لا يبطلها، وفيه صور:  منها: ما لو نوى الوضوء أو الغسل والتبرد، ففي وجه لا يصح للتشريك ; والأصح الصحة ; لأن التبرد حاصل: قصده أم لا، فلم يجعل قصده تشريكا وتركا للإخلاص [ ص: 21 ] بل هو قصد للعبادة على حسب وقوعها ; لأن من ضرورتها حصول التبرد. ...  القسم الثاني: أن ينوى مع العبادة المفروضة عبادة أخرى مندوبة .  وفيه صور:  منها ما لا يقتضي البطلان ويحصلان معا، ومنها ما يحصل الفرض فقط، ومنها ما يحصل النفل فقط ومنها: ما يقتضي البطلان في الكل.  فمن الأول: أحرم بصلاة ونوى بها الفرض والتحية  ; صحت، وحصلا معا،...  ومن الثاني: نوى بحجه الفرض والتطوع، وقع فرضا ; لأنه لو نوى التطوع انصرف إلى الفرض. صلى الفائتة في ليالي رمضان، ونوى معها التراويح ففي فتاوى ابن الصلاح حصلت الفائتة دون التراويح. قال الإسنوي : وفيه نظر ; لأن التشريك مقتض للإبطال.  ومن الثالث: أخرج خمسة دراهم، ونوى بها الزكاة وصدقة التطوع، لم تقع زكاة ووقعت صدقة تطوع بلا خلاف. عجز عن القراءة فانتقل إلى الذكر، فأتى بالتعوذ ودعاء الاستفتاح، قاصدا به السنة والبدلية لم يحسب عن الفرض، جزم به الرافعي . خطب بقصد الجمعة والكسوف لم يصح للجمعة ; لأنه تشريك بين فرض ونفل، جزم به الرافعي .  ومن الرابع: كبر المسبوق والإمام راكع تكبيرة واحدة، ونوى بها التحريم والهوي إلى الركوع، لم تنعقد الصلاة أصلا، للتشريك....    القسم الثالث: أن ينوي مع المفروضة فرضا آخر .  قال ابن السبكي : ولا يجزئ ذلك إلا في الحج والعمرة.  قلت: بل لهما نظير آخر وهو أن ينوى الغسل والوضوء معا، فإنهما يحصلان على الأصح، وفي قول نص عليه في الأمالي لا يحصلان ; لأنهما واجبان مختلفان، فلا يتداخلان، كالصلاتين.  ولو طاف بنية الفرض والوداع صح للفرض وهل يكفي للوداع ؟ حتى لو خرج عقبه أجزأه ولا يلزمه دم ؟ لم أر فيه نقلا صريحا، وهو محتمل، وربما يفهم من كلامهم أنه لا يكفي.  وما عدا ذلك إذا نوى فرضين بطلا، إلا إذا أحرم بحجتين أو عمرتين، فإنه ينعقد واحدة، وإذا تيمم لفرضين، صح لواحد على الأصح. ... القسم الرابع: أن ينوي مع النفل نفلا آخر :  فلا يحصلان. قاله القفال ونقض عليه بنيته الغسل للجمعة والعيد، فإنهما يحصلان.  قلت: وكذا لو اجتمع عيد وكسوف، خطب لهما خطبتين، بقصدهما جميعا ذكره في أصل الروضة، وعلله بأنهما سنتان، بخلاف الجمعة والكسوف، وينبغي أن يلحق بها ما لو نوى صوم يوم عرفة والاثنين مثلا، فيصح، وإن لم نقل بما تقدم عن البارزي فيما لو نوى فيه فرضا لأنهما سنتان، لكن في شرح المهذب في مسألة اجتماع العيد والكسوف أن فيما قالوه نظرا، قال: لأن السنتين إذا لم تدخل إحداهما في الأخرى لا ينعقد عند التشريك بينهما، كسنة الضحى وقضاء سنة الفجر، بخلاف تحية المسجد وسنة الظهر مثلا ; لأن التحية تحصل ضمنا. القسم الخامس: أن ينوي مع غير العبادة شيئا آخر غيرها، وهما مختلفان في الحكم .  ومن فروعه: أن يقول لزوجته: أنت علي حرام، وينوي الطلاق والظهار، فالأصح أنه يخير بينهما، فما اختاره ثبت وقيل: يثبت. الطلاق لقوته. وقيل: الظهار ; لأن الأصل بقاء النكاح.                       الأشباه والنظائر ج1 ص50 القاعدة الثانية: اليقين لا يزال بالشك   ودليلها قوله صلى الله عليه وسلم { إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه، أخرج منه شيء أم لا ؟ فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا  } رواه مسلم من حديث أبي هريرة . وأصله في الصحيحين عن عبد الله بن زيد قال " شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة قال { : لا ينصرف حتى يسمع صوتا، أو يجد ريحا  } وفي الباب عن أبي سعيد الخدري وابن عباس . وروى مسلم عن [ ص: 51 ] أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إذا شك أحدكم في صلاته، فلم يدر كم صلى أثلاثا أم أربعا ؟ فليطرح الشك، وليبن على ما استيقن  }. وروى الترمذي عن عبد الرحمن بن عوف قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { إذا سها أحدكم في صلاته، فلم يدر: واحدة صلى، أم اثنتين ؟ فليبن على واحدة فإن لم يتيقن: صلى اثنتين، أم ثلاثا؟ فليبن على اثنتين، فإن لم يدر: أثلاثا صلى أم أربعا؟ فليبن على ثلاث، وليسجد سجدتين قبل أن يسلم}.    اعلم أن هذه القاعدة تدخل في جميع أبواب الفقه، والمسائل المخرجة عليها تبلغ ثلاثة أرباع الفقه وأكثر، ولو سردتها هنا لطال الشرح ولكني أسوق منها جملة صالحة فأقول: يندرج في هذه القاعدة عدة قواعد: منها: قولهم: " الأصل بقاء ما كان على ما كان ". فمن أمثلة ذلك: من تيقن الطهارة، وشك في الحدث فهو متطهر. أو تيقن في الحدث وشك في الطهارة فهو محدث.  ومن فروع الشك في الحدث أن يشك هل نام أو نعس ؟ أو ما رآه رؤيا، أو حديث نفس ؟ أو لمس محرما أو غيره ؟ أو رجلا أو امرأة ؟ أو بشرا أو شعرا ؟ أو هل نام ممكنا أو لا ؟ أو زالت إحدى أليتيه، وشك: هل كان قبل اليقظة أو بعدها ؟ أو مس الخنثى أحد فرجيه، ثم مس مرة ثانية وشك: هل الممسوس ثانيا: الأول، أو الآخر ؟  ومن ذلك: عدم النقض بمس الخنثى، أو لمسه أو جماعه .  ومن ذلك: مسألة: من تيقن الطهارة أو الحدث، وشك في السابق : والأصح أنه يؤمر بالتذكر فيما قبلهما، فإن كان محدثا فهو الآن متطهر ; لأنه تيقن الطهارة بعد ذلك الحدث وشك في انتقاضها ; لأنه لا يدري: هل الحدث الثاني قبلها، أو بعدها ؟ وإن كان متطهرا فإن كان يعتاد التجديد، فهو الآن محدث، لأنه تيقن حدثا بعد تلك الطهارة، وشك في زواله ; لأنه لا يدري: هل الطهارة الثانية متأخرة عنه، أم لا ؟ بأن يكون والى بين الطهارتين.   قاعدة: الأصل براءة الذمة.  ولذلك لم يقبل في شغل الذمة شاهد واحد، ما لم يعتضد بآخر، أو يمين المدعي، ولذا أيضا كان القول قول المدعى عليه، لموافقته الأصل.  وفي ذلك فروع: منها: اختلفا في قيمة المتلف، حيث تجب قيمته على متلفه، كالمستعير، والمستام، والغاصب، والمودع المتعدي فالقول قول الغارم، لأن الأصل براءة ذمته مما زاد.  ومنها: توجهت اليمين على المدعى عليه فنكل، لا يقضى بمجرد نكوله، لأن الأصل براءة ذمته بل تعرض على المدعي.  ومنها: من صيغ القرض: ملكتكه على أن ترد بدله، فلو اختلفا في ذكر البدل، فالقول قول الآخذ ; لأن الأصل براءة ذمته.  ومنها: لو قال الجاني: هكذا أوضحت، وقال المجني عليه بل أوضحت موضحتين وأنا رفعت الحاجز بينهما، صدق الجاني لأن الأصل براءة ذمته.   قاعدة:  من شك هل فعل شيئا أو لا ؟ فالأصل أنه لم يفعله.  ويدخل فيها قاعدة أخرى: من تيقن الفعل وشك في القليل أو الكثير حمل على القليل لأنه المتيقن، اللهم إلا أن تشتغل الذمة بالأصل فلا تبرأ إلا بيقين.  وهذا الاستثناء راجع إلى قاعدة ثالثة، ذكرها الشافعي رضي الله عنه وهي " أن ما ثبت بيقين لا يرتفع إلا بيقين ".  فمن فروع ذلك: شك في ترك مأمور في الصلاة : سجد للسهو أو ارتكاب فعل منهي فلا يسجد ; لأن الأصل عدم فعلهما.  ومنها: سها وشك: هل سجد للسهو ؟ يسجد.  ومنها: شك في أثناء الوضوء أو الصلاة أو غيرهما من العبادات في ترك ركن، وجبت إعادته، فلو علمه وشك في عينه أخذ بالأسوأ، فإن احتمل أنه النية وجب الاستئناف، فلو ترك سجدة وشك، هل هي من الركعة الأخيرة أو غيرها، لزمه ركعة لاحتمال أن تكون من غيرها، فتكمل بركعة تليها ويلغو باقيها.  ولو شك في محل سجدتين أو ثلاث، وجب ركعتان لاحتمال ترك سجدة من الأولى وسجدة من الثانية، فيكمل الأولى بالثانية والثالثة بالرابعة ويلغو الباقي، وكذا لو انضم إلى ذلك ترك سجدة أخرى، هكذا أطبق عليه الأصحاب.   قاعدة: الأصل العدم  فيها فروع: منها: القول قول نافي الوطء غالبا  ; لأن الأصل العدم. ومنها: القول قول عامل القراض في قوله: لم أربح  ; لأن الأصل عدم الربح، أو لم أربح إلا كذا لأن الأصل عدم الزائد، وفي قوله: لم تنهني عن شراء كذا ; لأن الأصل عدم النهي ; ولأنه لو كان كما يزعمه المالك لكان خائنا، والأصل عدم الخيانة، وفي قدر رأس المال لأن الأصل عدم دفع الزيادة، وفي قوله بعد التلف: أخذت المال قراضا، وقال المالك قرضا كما قاله البغوي وابن الصلاح في فتاويهما، لأنهما اتفقا على جواز التصرف، والأصل عدم الضمان.   قاعدة : الأصل في كل حادث تقديره بأقرب زمن.  ومن فروعها: رأى في ثوبه منيا ولم يذكر احتلاما لزمه الغسل على الصحيح. قال في الأم: وتجب إعادة كل صلاة صلاها من آخر نومة نامها فيه.  ومنها: توضأ من بئر أياما وصلى ثم وجد فيها فأرة، لم يلزمه قضاء إلا ما تيقن أنه صلاه بالنجاسة.  ومنها: ضرب بطن حامل فانفصل الولد حيا وبقي زمانا بلا ألم ثم مات، فلا ضمان ; لأن الظاهر أنه مات بسبب آخر. ومنها: فتح قفصا عن طائر فطار في الحال ضمنه، وإن وقف ثم طار فلا إحالة على اختيار الطائر.   قاعدة:  الأصل في الأشياء الإباحة حتى يدل الدليل على التحريم.  هذا مذهبنا، وعند أبي حنيفة : الأصل فيها التحريم حتى يدل الدليل على الإباحة، ويظهر أثر الخلاف في المسكوت عنه، ويعضد الأول قوله صلى الله عليه وسلم { ما أحل الله فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو، فاقبلوا من الله عافيته فإن الله لم يكن لينسى شيئا  } أخرجه البزار والطبراني من حديث أبي الدرداء بسند حسن وروى الطبراني أيضا من حديث أبي ثعلبة  { إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها، وحد حدودا فلا تعتدوها، وسكت عن أشياء من غير نسيان، فلا تبحثوا عنها  } وفي لفظ { وسكت عن كثير من غير نسيان فلا تتكلفوها رحمة لكم فاقبلوها  } وروى الترمذي وابن ماجه من حديث سلمان : " أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن الجبن والسمن والفراء فقال: { الحلال ما أحل الله في كتابه، والحرام ما حرم الله في كتابه، وما سكت عنه فهو مما عفا عنه  } وللحديث طرق أخرى ويتخرج عن هذه كثير من المسائل المشكل حالها: منها: الحيوان المشكل أمره، وفيه وجهان: أصحهما الحل كما قال الرافعي ومنها: النبات المجهول تسميته قال المتولي يحرم أكله وخالفه النووي وقال الأقرب الموافق للمحكي عن الشافعي في التي قبلها الحل.  ومنها: إذا لم يعرف حال النهر هل هو مباح أو مملوك ؟ هل يجري عليه حكم الإباحة أو الملك ؟ حكى الماوردي فيه وجهين مبنيين على أن الأصل الإباحة أو الحظر.  ومنها: لو دخل حمام برجه وشك هل هو مباح أو مملوك ؟ فهو أولى به وله التصرف فيه، جزم به في أصل الروضة لأن الأصل الإباحة.  ومنها: لو شك في كبر الضبة فالأصل الإباحة، ذكره في شرح المهذب.  ومنها: مسألة الزرافة، قال السبكي : المختار أكلها: لأن الأصل الإباحة، وليس لها ناب كاسر، فلا تشملها أدلة التحريم، وأكثر الأصحاب لم يتعرضوا لها أصلا لا بحل ولا بحرمة، وصرح بحلها في فتاوى القاضي الحسين والغزالي، وتتمة القول وفروع ابن القطان وهو المنقول عن نص الإمام أحمد وجزم الشيخ في التنبيه بتحريمها، ونقل في شرح المهذب الاتفاق عليه، وبه قال أبو الخطاب من الحنابلة ولم يذكرها أحد من المالكية والحنفية وقواعدهم تقتضي حلها.     قاعدة : الأصل في الأبضاع التحريم.  فإذا تقابل في المرأة حل وحرمة، غلبت الحرمة، ولهذا امتنع الاجتهاد فيما إذا اختلطت محرمة بنسوة قرية محصورات لأنه ليس أصلهن الإباحة حتى يتأيد الاجتهاد باستصحابه، وإنما جاز النكاح في صورة غير المحصورات، رخصة من الله كما صرح به الخطابي لئلا ينسد باب النكاح عليه. قاعدة:  الأصل في الكلام الحقيقة.  وفي ذلك فروع: منها: إذا وقف على أولاده، أو أوصى لهم، لا يدخل في ذلك ولد الولد في الأصح لأن اسم الولد حقيقة في ولد الصلب، وفي وجه نعم، حملا له على الحقيقة والمجاز. ومنها: لو حلف لا يبيع، أو لا يشتري، أولا يضرب عبده فوكل في ذلك، لم يحنث حملا للفظ على حقيقته وفي قول: إن كان ممن لا يتولاه بنفسه، كالسلطان، أو كان المحلوف عليه مما لا يعتاد الحالف فعله بنفسه، كالبناء ونحوه حنث إذا أمر بفعله.   فوائد نختم بها الكلام على هذه القاعدة  الأولى:  قال ابن القاص في التلخيص لا يزال حكم اليقين بالشك إلا في إحدى عشرة مسألة: إحداها: شك ماسح الخف هل انقضت المدة أم لا ؟ الثانية: شك هل مسح في الحضر أو السفر، ويحكم في المسألتين بانقضاء المدة. الثالثة: إذا أحرم المسافر بنية القصر خلف من لا يدري: أمسافر هو، أم مقيم ؟ لم يجز القصر.  الرابعة: بال حيوان في ماء كثير ثم وجده متغيرا ولم يدر، أتغير بالبول أم بغيره فهو نجس.  الخامسة: المستحاضة المتحيرة، يلزمها الغسل عند كل صلاة، يشك في انقطاع الدم قبلها.  السادسة: من أصابته نجاسة في ثوبه أو بدنه وجهل موضعها يجب غسله كله. السابعة: شك مسافر أوصل بلده أم لا ؟ لا يجوز له الترخص. الثامنة: شك مسافر هل نوى الإقامة أم لا ؟ لا يجوز له الترخص التاسعة: المستحاضة وسلس البول إذا توضأ ثم شك: هل انقطع حدثه أم لا ؟ فصلى بطهارته لم تصح صلاته [ ص: 73 ] العاشرة: تيمم، ثم رأى شيئا لا يدري: أسراب هو، أم ماء بطل تيممه، وإن بان سرابا الحادية عشرة، رمى صيدا فجرحه، ثم غاب فوجده ميتا، وشك هل أصابته رمية أخرى من حجر أو غيره لم يحل أكله، وكذا لو أرسل عليه كلبا.  هذا ما ذكره ابن القاص وقد نازعه القفال وغيره في استثنائها بأنه لم يترك اليقين فيها بالشك، وإنما عمل فيها بالأصل الذي لم يتحقق شرط العدول عنه ; لأن الأصل في الأولى والثانية غسل الرجلين.  وشرط المسح: بقاء المدة وشككنا فيه، فعمل بأصل الغسل، وفي الثالثة والسابعة والثامنة القصر رخصة بشرط، فإذا لم يتحقق رجع إلى الأصل، وهو الإتمام ; وفي الخامسة الأصل وجوب الصلاة، فإذا شكت في الانقطاع فصلت بلا غسل، لم تتيقن البراءة منها.  وفي السادسة: الأصل أنه ممنوع من الصلاة إلا بطهارة عن هذه النجاسة، فلما لم يغسل الجميع فهو شاك في زوال منعه من الصلاة، وفي العاشرة: إنما بطل التيمم لأنه توجه الطلب عليه، وفي الحادية عشرة في حل الصيد قولان، فإن قلنا لا يحل فليس ترك يقين بشك لأن الأصل التحريم، وقد شككنا في الإباحة، وقد نقل النووي ذلك في شرح المهذب وقال ما قاله القفال فيه نظر والصواب في أكثر هذه المسائل مع ابن القاص . الأشباه والنظائر ج1 ص 76 القاعدة الثالثة  المشقة تجلب التيسير   الأصل في هذه القاعدة قوله تعالى { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر  } وقوله تعالى { وما جعل عليكم في الدين من حرج  } وقوله صلى الله عليه وسلم { بعثت بالحنيفية السمحة  } أخرجه أحمد في مسنده من حديث جابر بن عبد الله، ومن حديث أبي أمامة والديلمي، وفي مسند الفردوس من حديث عائشة رضي الله عنها.    وأخرج أحمد في مسنده والطبراني والبزار وغيرهما عن ابن عباس قال { قيل: يا رسول الله، أي الأديان أحب إلى الله، قال: الحنيفية السمحة  } وأخرجه البزار من وجه آخر بلفظ " { أي الإسلام  }.  وروى الطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة رضي الله عنه { إن أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة  }.  وروى الشيخان وغيرهما من حديث أبي هريرة وغيره { وإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين  } وحديث { يسروا ولا تعسروا  }. [ ص: 77 ] وروى أحمد من حديث أبي هريرة مرفوعا { إن دين الله يسر - ثلاثا  } وروى أيضا من حديث الأعرابي بسند صحيح { إن خير دينكم أيسره، إن خير دينكم أيسره  } وروى ابن مردويه من حديث محجن بن الأدرع مرفوعا " { إن الله إنما أراد بهذه الأمة اليسر ولم يرد بهم العسر  } ".  وروى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها " { ما خُيِرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين، إلا اختار أيسرهما، ما لم يكن إثما  }.  وروى الطبراني عن ابن عباس مرفوعا { إن الله شرع الدين فجعله سهلا سمحا واسعا ولم يجعله ضيقا  }.  قال العلماء: يتخرج على هذه القاعدة جميع رخص الشرع وتخفيفاته.    واعلم أن أسباب التخفيف في العبادات وغيرها سبعة:  الأول: السفر .  قال النووي : ورخصه ثمانية   منها: ما يختص بالطويل قطعا وهو القصر والفطر والمسح أكثر من يوم وليلة.  ومنها: ما لا يختص به قطعا، وهو ترك الجمعة وأكل الميتة.  ومنها: ما فيه خلاف، والأصح اختصاصه به وهو الجمع.  ومنها: ما فيه خلاف، والأصح عدم اختصاصه به، وهو التنفل على الدابة وإسقاط الفرض بالتيمم.  واستدرك ابن الوكيل رخصة تاسعة، صرح بها الغزالي وهي: ما إذا كان له نسوة وأراد السفر، فإنه يقرع بينهن. ويأخذ من خرجت لها القرعة، ولا يلزمه القضاء لضراتها إذا رجع. وهل يختص ذلك بالطويل ؟ وجهان، أصحهما: لا.   الثاني: المرض .  ورخصه كثيرة ؛ التيمم عند مشقة استعمال الماء، وعدم الكراهة في الاستعانة بمن يصب عليه أو يغسل أعضاءه، والقعود في صلاة الفرض وخطبة الجمعة والاضطجاع في الصلاة، والإيماء والجمع بين الصلاتين على وجه اختاره النووي والسبكي والإسنوي والبلقيني، ونقل عن النص، وصح فيه الحديث وهو المختار، والتخلف عن الجماعة والجمعة مع حصول الفضيلة كما تقدم، والفطر في رمضان وترك الصوم للشيخ الهرم مع الفدية، والانتقال من الصوم إلى الإطعام في الكفارة، والخروج من المعتكف وعدم قطع التتابع المشروط في الاعتكاف، والاستنابة في الحج وفي رمي الجمار ; وإباحة محظورات الإحرام مع الفدية، والتحلل على وجه.  فإن شرطه فعلى المشهور، والتداوي بالنجاسات وبالخمر على وجه، وإساغة اللقمة بها إذا غص بالاتفاق، وإباحة النظر حتى للعورة والسوأتين. [ ص: 78 ]    الثالث: الإكراه .  الرابع: النسيان.  الخامس: الجهل. السادس: العسر وعموم البلوى . كالصلاة مع النجاسة المعفو عنها، كدم القروح والدمامل والبراغيث، والقيح والصديد، وقليل دم الأجنبي وطين الشارع، وأثر نجاسة عسر زواله، وذرق الطيور إذا عم في المساجد والمطاف وما يصيب الحب في الدوس من روث البقر وبوله . ... وأنه لا يحكم على الماء بالاستعمال ما دام مترددا على العضو، ولا يضره التغيير بالمكث والطين والطحلب وكل ما يعسر صونه عنه، وإباحة الأفعال الكثيرة والاستدبار في صلاة شدة الخوف، وإباحة النافلة على الدابة في السفر وفي الحضر على وجه، وإباحة القعود فيهما مع القدرة، وكذا الاضطجاع والإبراد بالظهر في شدة الحر. ومن ثم لا إبراد بالجمعة لاستحباب التبكير إليها. ... ومشروعية الخيار لما كان البيع يقع غالبا من غير ترو ويحصل فيه الندم فيشق على العاقد، فسهل الشارع ذلك عليه بجواز الفسخ في مجلسه [ ص: 79 ] وشرع له أيضا شرطه ثلاثة أيام، ومشروعية الرد بالعيب  ; والتحالف، والإقالة والحوالة، والرهن، والضمان والإبراء، والقرض، والشركة، والصلح، والحجر، والوكالة، والإجارة، والمساقاة، والمزارعة، والقراض، والعارية، الوديعة للمشقة العظيمة في أن كل أحد لا ينتفع إلا بما هو ملكه، ولا يستوفي إلا ممن عليه حقه، ولا يأخذه إلا بكماله، ولا يتعاطى أموره إلا بنفسه ; فسهل الأمر بإباحة الانتفاع بملك الغير، بطريق الإجارة أو الإعارة أو القراض، وبالاستعانة بالغير وكالة، وإيداعا، وشركة وقراضا ومساقاة، وبالاستيفاء من غير المديون حوالة، وبالتوثق على الدين برهن وضامن وكفيل وحجر، وبإسقاط بعض الدين صلحا، أو كله إبراء.    ومن التخفيف: جواز العقود الجائزة  ; لأن لزومها يشق، ويكون سببا لعدم تعاطيها ولزوم اللازم، وإلا لم يستقر بيع ولا غيره.  ومنه: إباحة النظر عند الخطبة، وللتعليم، والإشهاد والمعاملة والمعالجة وللسيد ومنه: جواز العقد على المنكوحة من غير نظر، لما في اشتراطه من المشقة التي لا يحتملها كثير من الناس في بناتهم وأخواتهم من نظر كل خاطب فناسب التيسير لعدم اشتراطه بخلاف المبيع فإن اشتراط الرؤية فيه لا يفضي إلى عسر ومشقة.  ومنه: إباحة أربع نسوة فلم يقتصر على واحدة تيسيرا على الرجال وعلى النساء أيضا لكثرتهن ولم يزد على أربع لما فيه من المشقة على الزوجين في القسم وغيره.  ومنه: مشروعية الطلاق، لما في البقاء على الزوجية من المشقة عند التنافر، وكذا مشروعية الخلع والافتداء والفسخ بالعيب ونحوه، والرجعة في العدة لما كان الطلاق يقع غالبا بغتة في الخصام والجرح ويشق عليه التزامه فشرعت له الرجعة في تطليقتين: ولم تشرع دائما لما فيه من المشقة على الزوجة إذا قصد إضرارها بالرجعة والطلاق كما كان ذلك في أول الإسلام ثم نسخ.   السابع: النقص فإنه نوع من المشقة إذ النفوس مجبولة على حب الكمال، فناسبه التخفيف في التكليفات.  فمن ذلك: عدم تكليف الصبي، والمجنون، وعدم تكليف النساء بكثير مما يجب على الرجال : كالجماعة، والجمعة، والجهاد والجزية، وتحمل العقل، وغير ذلك وإباحة لبس الحرير، وحل الذهب، وعدم تكليف الأرقاء بكثير، مما على الأحرار، ككونه على النصف من الحر في الحدود والعدد وغير ذلك مما سيأتي في الكتاب الرابع.   الفائدة الثانية: قال الشيخ عز الدين : تخفيفات الشرع ستة أنواع :  الأول: تخفيف إسقاط، كإسقاط الجمعة والحج، والعمرة، والجهاد بالأعذار.  الثاني: تخفيف تنقيص، كالقصر.  الثالث: تخفيف إبدال، كإبدال الوضوء، والغسل بالتيمم، والقيام في الصلاة بالقعود والاضطجاع، أو الإيماء، والصيام بالإطعام.  الرابع: تخفيف تقديم، كالجمع، وتقديم الزكاة على الحول، وزكاة الفطر في رمضان، والكفارة على الحنث.  الخامس: تخفيف تأخير، كالجمع، وتأخير رمضان للمريض والمسافر ; وتأخير الصلاة في حق مشتغل بإنقاذ غريق، أو نحوه من الأعذار الآتية:  السادس: تخفيف ترخيص، كصلاة المستجمر، مع بقية النجو، وشرب الخمر للغصة، وأكل النجاسة للتداوي، ونحو ذلك.  واستدرك العلائي سابعا، وهو: تخفيف تغيير، كتغير نظم الصلاة في الخوف. الفائدة الثالثة: الرخص أقسام : ما يجب فعلها، كأكل الميتة للمضطر، والفطر لمن خاف الهلاك بغلبة الجوع والعطش وإن كان مقيما صحيحا، وإساغة الغصة بالخمر. وما يندب كالقصر في السفر والفطر لمن يشق عليه الصوم في سفر، أو مرض، والإبراد بالظهر، والنظر إلى المخطوبة. وما يباح، كالسلم . وما الأولى تركها : كالمسح على الخف، والجمع والفطر لمن لا يتضرر، والتيمم لمن وجد الماء يباع بأكثر من ثمن المثل، وهو قادر عليه. وما يكره فعلها، كالقصر في أقل من ثلاثة مراحل.   الأشباه والنظائر ج1 ص 83 القاعدة الرابعة: الضرر يزال . أصلها قوله صلى الله عليه وسلم { لا ضرر ولا ضرار  } أخرجه مالك في الموطأ عن عمرو بن يحيى عن أبيه مرسلا وأخرجه الحاكم في المستدرك والبيهقي والدارقطني، ومن حديث أبي سعيد الخدري وأخرجه ابن ماجه من حديث ابن عباس وعبادة بن الصامت . [ ص: 84 ] اعلم أن هذه القاعدة ينبني عليها كثير من أبواب الفقه من ذلك: الرد بالعيب، وجميع أنواع الخيار: من اختلاف الوصف المشروط، والتعزير، وإفلاس المشتري، وغير ذلك، والحجر بأنواعه، والشفعة، لأنها شرعت لدفع ضرر القسمة. والقصاص، والحدود، والكفارات، وضمان المتلف، والقسمة، ونصب الأئمة، والقضاة، ودفع الصائل، وقتال المشركين، والبغاة، وفسخ النكاح بالعيوب، أو الإعسار، أو غير ذلك، وهي مع القاعدة التي قبلها متحدة، أو متداخلة. ويتعلق بهذه القاعدة قواعد الأولى: الضروريات تبيح المحظورات بشرط عدم نقصانها عنها، ومن ثم جاز أكل الميتة عند المخمصة، وإساغة اللقمة بالخمر، والتلفظ بكلمة الكفر للإكراه، وكذا إتلاف المال، وأخذ مال الممتنع من أداء الدين بغير إذنه، ودفع الصائل ولو أدى إلى قتله، ولو عم الحرام قطرا، بحيث لا يوجد فيه حلال إلا نادرا فإنه يجوز استعمال ما يحتاج إليه، ولا يقتصر على الضرورة.  قال الإمام : ولا يرتقي إلى التبسط، وأكل الملاذ بل يقتصر على قدر الحاجة.  قال ابن عبد السلام : وفرض المسألة: أن يتوقع معرفة صاحب المال في المستقبل.  فأما عند اليأس فالمال حينئذ للمصالح ; لأن من جملة أموال بيت المال: ما جهل مالكه.  ويجوز إتلاف شجر الكفار وبنائهم لحاجة القتال، والظفر بهم، وكذا الحيوان الذي يقاتلون عليه، ونبش الميت بعد دفنه للضرورة بأن دفن بلا غسل، أو لغير القبلة أو في أرض أو ثوب مغصوب. وغصب الخيط لخياطة جرح حيوان محترم .   الأشباه والنظائر ج1 ص 89 القاعدة السادسة : العادة محكمة.   قال القاضي : أصلها قوله صلى الله عليه وسلم { ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن  } قال العلائي : ولم أجده مرفوعا في شيء من كتب الحديث أصلا ولا بسند ضعيف بعد طول البحث وكثرة الكشف والسؤال، وإنما هو من قول عبد الله بن مسعود موقوفا عليه أخرجه أحمد في مسنده. [ ص: 90 ] اعلم أن اعتبار العادة والعرف رجع إليه في الفقه، في مسائل لا تعد كثرة.  فمن ذلك: سن الحيض، والبلوغ، والإنزال، وأقل الحيض، والنفاس، والطهر وغالبها وأكثرها، وضابط القلة والكثرة في الضبة، والأفعال المنافية للصلاة، والنجاسات المعفو عن قليلها، وطول الزمان وقصره في موالاة الوضوء، في وجه والبناء على الصلاة في الجمع، والخطبة، والجمعة، وبين الإيجاب والقبول، والسلام ورده، والتأخير المانع من الرد بالعيب، وفي الشرب وسقي الدواب من الجداول، والأنهار المملوكة، إقامة له مقام الإذن اللفظي، وتناول الثمار الساقطة، وفي إحراز المال المسروق، وفي المعاطاة على ما اختاره النووي، وفي عمل الصناع على ما استحسنه الرافعي... ... إنما تعتبر العادة إذا اطردت، فإن اضطربت فلا . وإن تعارضت الظنون في اعتبارها فخلاف.  قال الإمام، في باب الأصول والثمار: كل ما يتضح فيه اطراد العادة، فهو المحكم، ومضمره كالمذكور صريحا، وكل ما تعارض الظنون بعض التعارض في حكم العادة فيه فهو مثار الخلاف. انتهى. ... فصل في تعارض العرف مع الشرع .  هو نوعان: أحدهما: أن لا يتعلق بالشرع حكم، فيقدم عليه عرف الاستعمال، فلو حلف لا يأكل لحما  ; لم يحنث بالسمك، وإن سماه الله لحما، أو لا يجلس على بساط أو تحت سقف أو في ضوء سراج، لم يحنث بالجلوس على الأرض وإن سماها الله بساطا، ولا تحت السماء، وإن سماها الله سقفا، ولا في الشمس، وإن سماها الله سراجا، أو لا يضع رأسه على وتد، لم يحنث بوضعها على جبل، أو لا يأكل ميتة أو دما، لم يحنث بالسمك والجراد والكبد والطحال، فقدم العرف في جميع ذلك ; لأنها استعملت في الشرع تسمية بلا تعلق حكم وتكليف.    والثاني: أن يتعلق به حكم فيقدم على عرف الاستعمال فلو حلف لا يصلي  ; لم يحنث إلا بذات الركوع والسجود أو لا يصوم، لم يحنث بمطلق الإمساك، أو لا ينكح حنث بالعقد لا بالوطء. ... فصل في تعارض العرف مع اللغة  حكى صاحب الكافي وجهين في المقدم أحدهما - وإليه ذهب القاضي حسين  -: الحقيقة اللفظية عملا بالوضع اللغوي. [ ص: 94 ] والثاني - وعليه البغوي  -: الدلالة العرفية لأن العرف يحكم في التصرفات سيما في الأيمان. قال: فلو دخل دار صديقه، فقدم إليه طعاما فامتنع. فقال إن لم تأكل فامرأتي طالق فخرج ولم يأكل، ثم قدم اليوم الثاني، فقدم إليه ذلك الطعام فأكل فعلى الأول لا يحنث، وعلى الثاني يحنث، انتهى. ... فصل في تعارض العرف العام والخاص .  والضابط: أنه إن كان المخصوص محصورا لم يؤثر، كما لو كانت عادة امرأة في الحيض أقل مما استقر من عادات النساء ردت إلى الغالب في الأصح. وقيل: تعتبر عادتها، وإن كان غير محصور اعتبر كما لو جرت عادة قوم بحفظ زرعهم ليلا ومواشيهم نهارا فهل ينزل ذلك منزلة العرف العام في العكس ؟ وجهان الأصح: نعم.  المبحث الثالث العادة المطردة في ناحية، هل تنزل عادتهم منزلة الشرط، فيه صور. منها: لو جرت عادة قوم بقطع الحصرم قبل النضج، فهل تنزل عادتهم منزلة الشرط حتى يصح بيعه من غير شرط القطع. وجهان، أصحهما: لا وقال القفال : نعم. ومنها: لو عم في الناس اعتياد إباحة منافع الرهن للمرتهن فهل ينزل منزلة شرطه حتى يفسد الرهن، قال الجمهور: لا، وقال القفال : نعم. ومنها: لو جرت عادة المقترض برد أزيد مما اقترض، فهل ينزل منزلة الشرط، فيحرم إقراضه وجهان، أصحهما: لا. ومنها: لو اعتاد بيع العينة بأن يشتري مؤجلا بأقل مما باعه نقدا، فهل يحرم ذلك، وجهان، أصحهما: لا. ومنها: لو بارز كافر مسلما وشرط الأمان، لم يجز للمسلم إعانة المسلم فلو لم يشرط ولكن اطردت العادة بالمبارزة بالأمان، فهل هو كالمشروط، وجهان، أصحهما: نعم، فهذه الصور مستثناة. ومنها: لو دفع ثوبا - مثلا - إلى خياط ليخيطه ولم يذكر أجرة وجرت عادته بالعمل بالأجرة فهل ينزل منزلة شرط الأجرة. خلاف، والأصح في المذهب: لا، واستحسن الرافعي مقابله. المبحث الرابع - بع العرف الذي تحمل عليه الألفاظ، إنما هو المقارن السابق دون المتأخر.... المبحث الخامس قال الفقهاء: كل ما ورد به الشرع مطلقا، ولا ضابط له فيه، ولا في اللغة، يرجع فيه إلى العرف. ومثلوه بالحرز في السرقة، والتفرق في البيع، والقبض ووقت الحيض وقدره والإحياء والاستيلاء في الغصب، والاكتفاء في نية الصلاة بالمقارنة العرفية، بحيث يعد مستحضرا للصلاة على ما اختاره النووي وغيره.     القواعد و الفوائد ، عاملى، شهيد اول، محمد بن مكى ، 2 جلد، كتابفروشى مفيد، قم - ايران، اول، ه‍ ق ج‌1، ص: 74 فائدة : مدارك الأحكام عندنا أربعة: الكتاب، و السنة، و الإجماع، و دليل العقل. و هنا قواعد خمس مستنبطة منها يمكن ردّ الأحكام إليها، و تعليلها بها، فلنشر إليها في قواعد خمس: القاعدة الأولى: تبعية العمل للنية‌               القاعدة الثانية: المشقة موجبة لليسر‌ القاعدة الثالثة: قاعدة اليقين‌                     القاعدة الرابعة: الضرر المنفي‌ القاعدة الخامسة: العادة‌   القواعد و الفوائد، ج‌1، ص: 74 القاعدة الأولى: تبعية العمل للنية‌ و مأخذها من قول النبي صلى اللّه عليه و آله: (إنما الأعمال بالنيات، و إنما لكل امرئ ما نوى) «4». أي صحة الأعمال و اعتبارها بحسب‌ النية. و يعلم منه أن من لم ينو، لم يصح عمله، و لم يكن معتبرا في نظر الشرع. و يدل عليه- مع دلالة الحصر- الجملة الثانية فإنها صريحة في ذلك أيضا. و في هذه القاعدة فوائد: الفائدة الأولى يعتبر في النية التقرب إلى اللّه تعالى، و دلّ عليه الكتاب و السنة. أما الكتاب: فقوله تعالى (وَ مٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا اللّٰهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) «البينة: 5.». أي: و ما أمر أهل الكتابين بما فيهما إلا لأجل أن يعبدوا اللّه على هذه الصفة، فيجب علينا ذلك، لقوله تعالى وَ ذٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ «البينة: 5.». و قال تعالى وَ مٰا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزىٰ إِلَّا ابْتِغٰاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلىٰ « الليل: 19- 20. ». أي: لا يؤتي ماله إلا ابتغاء وجه ربه، إذ هو منصوب على الاستثناء المنفصل. و كلاهما يعطيان أن ذلك معتبر في العبادة، لأنه تعالى مدح فاعله عليه. و أما السنة: ففيما روي عن النبي صلى اللّه عليه و آله في الحديث القدسي: (من عمل لي عملا أشرك فيه غيري تركته لشريكي) [رواه أحمد بلفظ: (أنا خير الشركاء من عمل لي عملا فأشرك فيه غيري فأنا منه برئ و هو للذي أشرك) مسند أحمد: 2- 301، 432 و انظر أيضا: القرافي- الفروق: 3- 22 (باختلاف بسيط).]. الفائدة الثانية : معنى الإخلاص: فعل الطاعة خالصة للّه وحده. و هنا غايات ثمان: الأولى: الرياء، و لا ريب في  أنه يخل بالإخلاص. و يتحقق الرياء بقصد مدح الرائي، أو الانتفاع به، أو دفع ضرره. فان قلت: فما تقول في العبادات المشوبة بالتقية؟ قلت: أصل العبادة واقع على وجه الإخلاص، و ما فعل منها تقية فإن له اعتبارين: بالنظر إلى أصله، و هو قربة، و بالنظر إلى ما طرأ من استدفاع الضرر، و هو لازم لذلك، فلا يقدح في اعتباره. أما لو فرض إحداثه صلاة- مثلا- تقية فإنها من باب الرياء. الثانية: قصد الثواب، أو الخلاص من العقاب، أو قصدهما معا. الثالثة: فعلها شكرا لنعم اللّه و استجلابا لمزيده. الرابعة: فعلها حياء من اللّه تعالى. الخامسة: فعلها حبا للّه تعالى. السادسة: فعلها تعظيما للّه تعالى و مهابة و انقيادا و إجابة. السابعة: فعلها موافقة لإرادته، و طاعة لأمره. الثامنة: فعلها لكونه أهلا للعبادة. و هذه الغاية مجمع على كون‌ العبادة تقع بها معتبرة، و هي أكمل مراتب الإخلاص، و إليه أشار الإمام الحق أمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام بقوله: (ما عبدتك طمعا في جنتك، و لا خوفا من نارك، و لكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك) «1». الفائدة الثالثة لما كان الركن الأعظم في النية هو الإخلاص، و كان انضمام تلك الأربعة «4» غير قادح فيه، فحقيق أن نذكر ضمائم أخرى، و هي أقسام: الأول: (ما يكون منافيا) له، كضم الرياء، و توصف بسببه العبادة بالبطلان، بمعنى عدم استحقاق الثواب. و هل يقع مجزئا بمعنى سقوط التعبد به، و الخلاص من العقاب؟ الأصح أنه لا يقع مجزئا، و لم أعلم فيه خلافا إلا من السيد الإمام المرتضى [1] قدس اللّه تعالى سره، فان ظاهره الحكم بالاجزاء في العبادة المنوي بها الرياء «2». الثاني: ما يكون من الضمائم لازما للفعل، كضم التبرد أو (التسخن أو التنظف) إلى نية القربة. و فيه وجهان ينظران: إلى عدم تحقق معنى الإخلاص، فلا يكون الفعل مجزئا، و إلى أنه حاصل لا محالة، فنيته كتحصيل الحاصل الّذي لا فائدة فيه. و هذا الوجه ظاهر  أكثر الأصحاب. و الأول أشبه، و لا يلزم من (حصوله نية) حصوله. و يحتمل أن يقال: إن كان الباعث الأصلي هو القربة ثمَّ طرأ التبرد عند الابتداء في الفعل، لم يضر، و إن كان الباعث الأصلي هو التبرد فلما أراده ضم القربة، لم يجز. و كذا إذا كان الباعث مجموع الأمرين، لأنه لا أولوية حينئذ فتدافعا، فتساقطا، فكأنه غير ناو. و من هذا الباب ضم نية الحمية إلى نية «1» القربة في الصوم، و ضم ملازمة الغريم إلى القربة في الطواف و السعي و الوقوف بالمشعرين. الثالث: ضم ما ليس بمناف و لا لازم، كما لو ضم إرادة دخول السوق مع نية التقرب في الطهارة، أو إرادة الأكل، و لم يرد بذلك الكون على طهارة في هذه الأشياء، فإنه لو أراد الكون على طهارة كان مؤكدا غير مناف، و هذه الأشياء إن لم يستحب لها الطهارة بخصوصها إلا أنها داخلة فيما يستحب بعمومه. و في هذه الضميمة وجهان مرتبان على القسم الثاني، و أولى بالبطلان، لأن ذلك تشاغل عما يحتاج إليه بما لا يحتاج إليه....   القواعد و الفوائد؛ ج‌1، ص: 123 القاعدة الثانية: المشقة موجبة لليسر‌ لقوله تعالى مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ «الحج: 78.»، يُرِيدُ اللّٰهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لٰا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ « البقرة: 185. ». و قول النبي صلى اللّه عليه و آله: (بعثت بالحنيفية السمحة السهلة) و قوله صلى اللّه عليه و آله: (لا ضرر و لا ضرار)، بكسر الضاد و حذف الهمزة. و هذه القاعدة تعود إليها جميع رخص الشرع كأكل الميتة في المخمصة، و مخالفة الحق للتقية قولا و فعلا، لا اعتقادا، عند الخوف على النّفس أو البضع، أو المال، أو القريب، أو بعض المؤمنين، كما قال اللّه تعالى: لٰا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكٰافِرِينَ أَوْلِيٰاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّٰهِ فِي شَيْ‌ءٍ إِلّٰا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقٰاةً « آل عمران: 28. ». بل يجوز إظهار كلمة الكفر عند التقية. و الأقرب أنه غير واجب هنا لما في قتله من إعزاز الإسلام، و توطئة عقائد العوام. و من هذه القاعدة: شرعية التيمم عند خوف التلف من استعمال الماء، أو الشين، أو تلف حيوانه أو ماله. و منها: إبدال القيام عند التعذر في الفريضة، و مطلقا في النافلة، و صلاة الاحتياط غالبا. و منها: قصر الصلاة و الصوم، و إن كان فرض السفر مستقلا في نفسه. و منها: المسح على الرّأس و الرجلين بأقل مسماه. و من ثمَّ أبيح الفطر جميع الليل بعد أن كان حراما بعد النوم. و كل ذلك للترغيب في العبادات و تحبيبها إلى النّفس. و من الرخص ما يخص، كرخص السفر، و المرض، و الإكراه، و التقية. و منها ما يعم، كالقعود في النافلة. و إباحة الميتة عند المخمصة‌ تعم عندنا الحضر و السفر. و من رخص السفر: ترك الجمعة، و القصر، و سقوط القسم بين الزوجات لو تركهن، بمعنى عدم القضاء بعد عوده، و سقوط القضاء للمتخلفات لو استصحب بعضهن. و الظاهر أن سقوط القسم تابع لمطلق السفر و إن لم تقصر فيه الصلاة. و من الرخص: إباحة كثير من محظورات الإحرام مع الفدية، و إباحة الفطر للحامل، و المرضع، و الشيخ، و الشيخة، و ذي العطاش، و التداوي بالنجاسات و المحرمات عند الاضطرار، و شرب الخمر لإساغة اللقمة، و إباحة الفطر عند الإكراه عليه مع عدم القضاء، سواء و جر في حلقه أو خوف حتى أفطر في الأصح. و لو أكره على الكلام في الصلاة فوجهان، مع القطع بعدم الإثم. و القطع بالبطلان لو أكره على الحدث. اما الاستدبار و ترك الستارة و استعمال النجاسة فكالكلام. و منه: الاستنابة في الحج للمعضوب و المريض المأيوس من برئه، و خائف العدو، و الجمع بين الصلاتين في السفر، و المرض، و المطر، و الوحل، و الاعذار، بغير كراهية. و منه: قصر الصلاة في الخوف، كمية و كيفية، و فعلها مع الحركات الكثيرة المبطلة مع الاختيار، و قصر المريض الكيفية. ثمَّ التخفيف قد يكون لا إلى بدل كقصر الصلاة، و ان استحب الجبر بالتسبيح، و ترك الجمعة و الظهر فرض قائم بنفسه، و صلاة المريض. و قد يكون إلى بدل كفدية الصائم و بعض الناسكين في بعض المناسك كبدنة عرفة، و شاة المزدلفة، و شاة مبيت منى. و عد الشيخ من التخفيف: تعجيل الزكاة المالية قبل الحول، و البدنية قبل الهلال [1]. و الرخصة قد تجب، كتناول الميتة عند خوف الهلاك، و الخمر عند الاضطرار إلى الإساغة به، و قصر الصلاة في السفر و الخوف، و قصر الصيام في السفر عندنا. و قد تستحب، كنظر المخطوبة. و قد تباح، كالقصر في الأماكن الأربعة [2]. و الإبراد بالظهر في شدة الحر‌ (محتمل للاستحباب) و الإباحة.   القواعد و الفوائد؛ ج‌1، ص: 132 القاعدة الثالثة: قاعدة اليقين‌ و هي: البناء على الأصل، أعني «3» استصحاب ما سبق. و هو أربعة أقسام: أحدها: استصحاب النفي في الحكم الشرعي إلى أن يرد دليل، و هو المعبر عنه (بالبراءة الأصلية). و ثانيها: استصحاب حكم العموم إلى ورود مخصص، و حكم النص إلى ورود ناسخ، و هو إنما يتم بعد استقصاء البحث عن المخصص و الناسخ. و ثالثها: استصحاب حكم ثبت شرعا، كالملك عند وجود سببه، و شغل الذّمّة عند إتلاف مال «1» أو التزام إلى أن يثبت رافعه. و رابعها: استصحاب حكم الإجماع في موضع النزاع، كما نقول: الخارج من غير السبيلين لا ينقض الوضوء، للإجماع على أنه متطهر قبل هذا الخارج، فيستصحب، إذ الأصل في كل متحقق دوامه حتى يثبت معارض، و الأصل عدمه. و كما نقول في المتيمم: إذا وجد الماء في أثناء الصلاة لا ينقض تيممه، للإجماع على صحة صلاته قبل وجوده فيستصحب حتى يثبت دليل يخرجه عن التمسك به. و إعادة الصلاة بالشك في الركعتين الأوليتين أو في الثنائية أو في الثلاثية، لأنه مخاطب بالصلاة يقينا، و لا يقين بالبراءة هنا إلا بإعادتها.   القواعد و الفوائد؛ ج‌1، ص: 141 القاعدة الرابعة: الضرر المنفي‌ و حاصلها: أنها ترجع إلى تحصيل المنافع، أو تقريرها لدفع المفاسد، أو احتمال أخف المفسدتين. و فروعها كثيرة حتى أن القاعدة الثانية تكاد تداخل هذه القاعدة. فمنها: وجوب تمكين الإمام لينتفي به الظلم، و يقاتل المشركين و أعداء الدين. و منها: صلح المشركين مع ضعف المسلمين، ورد مهاجريهم دون مهاجرينا، و جواز رد المعين، أو أخذ أرشه، ورد ما خالف الصفة أو الشرط، و فسخ البائع عند عدم سلامة شرطه من الضمين أو الرهن. و كذا فسخ النكاح بالعيوب. و منها: الحجر على المفلس، و الرجوع في عين المال، و الحجر على الصغير، و السفيه، و المجنون، لدفع الضرر عن أنفسهم اللاحق بنقص مالهم. و منها: شرعية الشفعة، و التغلظ على الغاصب بوجوب أرفع القيم، و تحمل مئونة الرد، و ضمان المنفعة بالفوات، و شرعية القصاص و الحدود، و قطع [يد] السارق في ربع دينار، مع أنها تضمن بيد مثلها أو خمسمائة‌ دينار، صيانة للدم و المال و قد نسب إلى المعري [1]. و من احتمال أخف المفسدتين: صلح المشركين، لأن فيه إدخال ضرر على المسلمين، و إعطاء الدنية في الدين، لكن في تركه قتل المؤمنين و المؤمنات الذين كانوا خاملين بمكة لا يعرفهم أكثر الصحابة، كما قال‌ اللّه تعالى وَ لَوْ لٰا رِجٰالٌ مُؤْمِنُونَ وَ نِسٰاءٌ مُؤْمِنٰاتٌ. « الفتح: 25. » الآية. و في ذلك مفسدة عظيمة، و مضر «2» على المسلمين، و هي أشد من الأولى. و منه: الإساغة بالخمر، لأن شرب الخمر مفسدة، إلا أن فوات النّفس أعظم منه، نظرا إلى عقوبتها. و كذا فوات النّفس أشد من أكل الميتة، و مال الغير. و منه: إذا أكره على قتل مسلم محقون الدم بحيث يقتل لو امتنع من قتله، فإنه يصبر على القتل و لا يقتله، لأن صبره أخف من الإقدام على قتل مسلم لأن الإجماع على تحريم القتل «3» بغير حق، و الاختلاف في جواز الاستسلام للقتل «4». و لا كذا لو أكره على أخذ المال، لأن إتلاف نفسه أشد من إتلاف المال، فالفساد فيه أكثر. كذا لو أكره على شرب حرام، شربه، لكثرة الفساد في القتل. فصل قد يقع «5» التخيير باعتبار تساوي الضرر، كمن أكره على أخذ درهم زيد أو عمرو، أو وجد في المخمصة «6» ميتين «7» أو حربيين‌ متساويين. و لو كان أحدهما قريبه قدم الأجنبي. كما يكره قتل قريبه في الجهاد. و منه: تخيير الإمام في قتال أحد العدوين من جهتين مع تساويهما من كل وجه. و يمكن التوقف في الواقع على «1» أطفال المسلمين، إن أقام على واحد قتله، و إن انتقل إلى آخر قتله. و كذا لو هاج البحر و احتيج إلى إلقاء بعض المسلمين فلا أولوية. و لو كان في السفينة مال أو حيوان ألقي قطعا. و لو كان في الأطفال من أبواه حربيان قدم. و لو تقابلت المصلحة و المفسدة، فإن غلبت المفسدة درئت، كالحدود فإنها مفسدة بالنظر إلى الألم، و في تركها مفسدة أعظم، فتدرأ المفسدة العظمى باستيفائها، لأن في ذلك مراعاة للأصلح، و إليه الإشارة بقوله تعالى (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ.) الآية. « البقرة: 219. و تكملة الآية (. قُلْ فِيهِمٰا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَ مَنٰافِعُ لِلنّٰاسِ، وَ إِثْمُهُمٰا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمٰا). ». و إن غلبت المصلحة قدمت، كالصلاة مع النجاسة أو كشف العورة فإن فيه مفسدة، لما فيه من الإخلال بتعظيم اللّه تعالى في أن لا يناجي على تلك الأحوال، إلا أن تحصيل الصلاة أهم. و منه: نكاح الحر الأمة، و قتل نساء الكفار و صبيانهم، و نبش القبور عند الضرورة، و تقرير الكتابي على دينه، و النّظر إلى العورة عند الضرورة. و قد قيل «1»: منه: قطع فلذة من الفخذ لدفع الموت عن نفسه. أما لدفع الموت عن غيره، فلا خلاف في عدم جوازه. و من انغمار المصلحة في جنب المفسدة فيسقط اعتبار المصلحة: ردّ شهادة المتهم، و حكمه كالشاهد لنفسه و الحاكم لها، لأن قوة الداعي الطبيعي قادحة في الظن المستفاد من الوازع الشرعي قدحا ظاهرا لا يبقى معه إلا ظن ضعيف لا يصلح للاعتماد عليه. فالمصلحة الحاصلة بالشهادة و الحكم مغمورة في جنب هذه المفسدة. أما شهادته لصديقه أو قريبه «2» أو معرفيه فبالعكس، فإنه لو منع لأدى إلى فوات المصلحة العامة من الشهادة للناس، فانغمرت هذه التهمة في جنب هذه المصلحة «3» العامة إذ لا يشهد الإنسان إلا لمن يعرفه غالبا. و منه: اشتمال العقد على مفسدة تترتب عليه ترتيبا قريبا، كبيع المصحف أو العبد المسلم من الكافر، و بيع السلاح لأعداء الدين، و يحتمل أيضا: قطاع الطريق، و بيع الخشب ليعمل صنما، و العنب ليعمل «4» خمرا.   القواعد و الفوائد؛ ج‌1، ص: 147 القاعدة الخامسة: العرف كاعتبار المكيال، و الميزان، و العدد، و ترجيح العادة على التمييز في القول الأقوى، و في قدر زمان قطع الصلاة، فإن الكثرة ترجع إلى العادة، و كذا كثرة الأفعال فيها. و كذا تباعد المأموم أو علو الإمام، و في كيفية القبض، و تسمية الحرز، و رق الزوجة بالنسبة إلى استخدام السيد نهارا، و فتح الباب، و قبول الهدية و إن كان المخبر امرأة أو صبيا مميزا، و الاستحمام، و الصلاة في الصحاري، و الشرب من الجداول و الأنهار المملوكة حيث لا ضرر، و إباحة الثمار بعد الاعراض عنها، و هبة الأعلى للأدنى في عدم استعقاب الثواب، و في العكس في تعقبه عند بعض الأصحاب، و في قدر الثواب عند بعض، و في ظروف الهدايا التي لم تجر العادة بردها كالقوصرة فيها التمر، و في عدم وجوب رد الرقاع إلى المكاتب، و في تنزيل البيع المأذون فيه على ثمن المثل بنقد البلد الغالب، و كذا عقود المعاوضات، ... فائدتان‌ الأولى: ما ذكر أدلة شرعية الأحكام، و هاهنا أدلة أخر لوقوع الأحكام، و لنصرف الحكام. ... الثانية: يجوز تغير الأحكام بتغير العادات، كما في النقود المتعاورة ‌ و الأوزان المتداولة، و نفقات الزوجات و الأقارب فإنها تتبع عادة ذلك الزمان الّذي وقعت فيه، و كذا تقدير العواري بالعوائد. و منه: الاختلاف بعد الدخول في قبض الصداق، فالمروي  تقديم قول الزوج، عملا بما كان عليه السلف من تقديم المهر على الدخول. و منه: إذا قدم شيئا قبل الدخول كان مهرا إذا لم يسم غيره، تبعا لتلك العادة. فالآن ينبغي تقديم قول الزوجة، و احتساب ذلك من مهر المثل. و منه: اعتبار الشبر في الكر، و الذراع في المسافة، فإنه معتبر بما تقدم، لا بما هو الآن، إن ثبت اختلاف المقادير، كما هو الظاهر.               القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)؛ ج‌3، ص: 135 ________________________________________ بجنوردى، سيد حسن بن آقا بزرگ موسوى، القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، 7 جلد، نشر الهادي، قم - ايران، اول، 1419 ه‍ ق   قاعدة العقود تابعة للقصود الجهة الثانية في مدرك هذه القاعدة‌ ، و هو أمور: [الأوّل: الإجماع من جميع الفقهاء على أنّ العقود تابعة للقصود] [الثاني: أنّ مقتضى الأصل الأوّلي هو عدم ترتّب الأثر على كلّ عقد و عهد و معاملة] الثاني: أنّ مقتضى الأصل الأوّلي هو عدم ترتّب الأثر على كلّ عقد و عهد‌ و معاملة، و أيضا على كلّ إيقاع، و لعلّ هذا هو المراد من قولهم: إنّ الأصل في المعاملات الفساد، و لا مخرج عن هذا الأصل إلّا أن يأتي دليل على الصحّة و ترتيب الأثر. [الثالث: كون العقد من الأمور القلبيّة، و الصيغة بأيّ لفظ كان آلة لإنشاء ذلك المعنى القلبي في عالم الاعتبار] ثمَّ إنّه قد يستدلّ لهذه القاعدة بأمور لا ينبغي أن يذكر أو يسطر، كقوله عليه السّلام: «إنّما الأعمال بالنيات» ، و قوله عليه السّلام: «لكلّ امرء ما نوى» . فعدم التعرّض لها أولى.                         العناوين الفقهية؛ ج‌2، ص: 47 ‌________________________________________ مراغى، سيد مير عبد الفتاح بن على حسينى، العناوين الفقهية، 2 جلد، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1417 ه‍ ق العنوان الثلاثون: العقود تابعة للقصود‌ و هذه من القواعد المعروفة الكثيرة الفروع، و البحث في معناها تارة، و في مدركها اخرى، فهنا مقامان‌ : الأول: في بيان المراد منه‌ و هو محتمل لأمرين، ليس بينهما منع جمع. أحدهما: أن العقد تابع للقصد، بمعنى أنه لا يتحقق إلا بالقصد، كما ذكره الفقهاء رحمهم الله في شرائط العقود مع الشرائط الأخر، بمعنى أنه لا عبرة بعقد الغافل و النائم و الناسي و الغالط و الهازل و السكران الذي لا قصد له و نحو ذلك، فتكون القاعدة إشارة إلى شرطية كون العاقد قاصدا في مقامات العقود كلها، و يكون معنى التبعية: عدم تحققه بدونه، إذ لا وجود للتابع بدون متبوعه. و ثانيهما: أن العقد تابع للقصد، بمعنى أن العقد شي‌ء يحتاج إلى موجب و قابل و عوض و معوض، و بعد حصول هذه الأركان لكل عقد أثر خاص: من تمليك أو نحوه، و للآثار كيفيات و اعتبارات: من فورية و تراخ و لزوم و جواز تنجيز و تعليق و إطلاق و تقييد و اتصال و انفصال و أحكام و لوازم، و هو في هذه الأمور كلها تابع للقصد، بمعنى أنه لا يقع ما لم يقصد، و ما هو المقصود يقع مطلقا. الثاني: في بيان المدرك‌ و البحث هنا في مقامات ثلاث [و الظاهر: مقامات أربع] أحدها: أن العقد تابع للقصد، بمعنى أنه شرط في صحته‌ ، بل في ماهيته، بمعنى أن ما لا قصد فيه ليس بعقد، و المراد من القصد هنا: إرادة اللفظ و المعنى. فالعقد الذي لم يقصد لفظه كما في النائم و الساهي و الغالط، و هو من يريد لفظا فيذكر غيره، كما لو أراد كلمة (بعت) فقال: (وهبت) غلطا فإن (وهبت) غير مقصود، و كذا الغافل و هو الذي يصدر عنه اللفظ من دون التفات، و السكران الذي يتكلم بلا قصد إلى الألفاظ، بل يصدر عنه للعادة من دون شعور و إرادة للخصوصية، و كذا العقد الذي لم يقصد معناه كما في الهازل، فإنه قاصد لذكر لفظ (بعت) مثلا، لكنه غير قاصد لوقوع معناه بهذا اللفظ، و ينحل هذا إلى عدم إرادة الإنشاء، أو إرادة الإنشاء الذي لا يترتب عليه المنشأ، و بالجملة غير قاصد لوقوع المسبب فاسد، بل ليس بعقد، و هذه قاعدة كلية سارية في العقود و الإيقاعات كافة. و الوجه في ذلك أمران: أحدهما: إجماع الأصحاب على عدم ترتب الآثار على الخالي عن القصد، كما هو صريح كلامهم في طي أبواب الفقه بحيث لا يشك فيه مشكك. و ثانيهما: أن مقتضى الأصل الأولي عدم ترتب الآثار المجعولة لهذه الأسباب شرعا إلا بدليل، و من المعلوم أن أحكام العقود و الإيقاعات و آثارها كلها مخالفة للأصل، فلا بد في ترتيب هذه الآثار من الاستناد إلى حجة شرعية، و ليس إلا أدلة العقود عموما و خصوصا. ... و بالجملة: القصد للفظ و المعنى شرط في صحة العقود بالمعنى الأعم، بل في عقديته، و هذا أحد وجهي قولهم: العقود تابعة للقصود. و ثانيها: أن العقد تابع للقصد في أركانه و لوازمه و أحكامه‌ ، بمعنى أنه ما لم يقصد شي‌ء منها لم يقع. كما أن أصل العقد لا يتحقق إلا بقصد الإيجاب و القبول، و معناهما كذلك لا يصح إلا بقصد متعلقه من العوض و المعوض و الموجب و القابل، بمعنى أنه لا بد في العقد من قصد المبيع و الثمن في البيع، و الزوجين في النكاح و نظائر ذلك و من قصد المخاطب بالخطاب، فلا يمكن قصد بيع مطلق بعوض مطلق و إن عين بعد ذلك. و بعبارة اخرى: العقد له أركان، و هي: المتعاقدان و العوضان، و قد لا يكون عوض، و قد يكون. و بعبارة اخرى: كلما هو من ضروريات ذلك العقد أو الإيقاع من المحل و نحوه لا بد أن يكون مقصودا في حالته، و إلا لبطل. و أما الأحكام و اللوازم: فإن كانت من مقتضيات ذات العقد و مفهومه بمعنى عدم تحققه إلا بحصولها فهي داخلة في قصد المعنى و الغاية الذي مر في المقام الأول. و إن كانت من الأحكام اللاحقة شرعا كنفقة الزوجة و نحو ذلك فسيأتي الكلام فيها. و الوجه في اعتبار القصد بهذا المعنى بمعنى انتفاء الصحة بدونه ما مر من الوجوه السابقة من الإجماع و الأصل الأولي. و عدم انصراف أدلة الصحة في عقد أو إيقاع عاما أو خاصا إلى ما لم يعين فيه الأركان، فيبقى تحت أصالة الفساد، بل يمكن أن يدعى في بعض صور المسألة عدم صدق العقدية و العهدية أصلا و ثالثها: أن العقد تابع للقصد في سائر الأحكام‌ ، بمعنى أنها لا تترتب إلا مع كونها مقصودة. فمن لم يقصد النفقة في النكاح لأنفقه عليه، و من لم يقصد ضمان الدرك في البيع فلا ضمان عليه، و من لم يقصد خيار المجلس أو الشفعة أو خيار الحيوان أو توابع المبيع كثياب الجارية و مفتاح الدار أو المهر في مفوضة البضع أو لحوق الولد أو عدم جواز جمع الأختين أو نكاح الخامسة أو نظائر ذلك من الأحكام غير المتناهية اللاحقة للعقود بعد تحقق أركانها و صحتها لا يتعلق فيه هذه الأحكام بالنسبة إليه. و تبعية العقد للقصد بهذا المعنى لم يقم دليل على اعتباره، بل يرده أمور: أحدها: الإجماع القطعي من الأصحاب على عدم اعتبار القصد في ذلك كله، كما لا يخفى على من راجع كلامهم. فإن قلت: كيف تدعي الإجماع على ذلك مع أن قولهم: (العقود تابعة للقصود) مطلق يشمل المقام؟ قلت: ليس كذلك، بل معنى كلامهم: (أن العقد تابع للقصد) بمعنى أن النكاح و البيع لا يصح إلا بقصد اللفظ و المعنى و الأركان على ما قررناه إذ لفظ (العقد) اسم لمجموع الإيجاب و القبول المتقوم بهذه الأركان، و الأثر اللازم له ما هو المقصود منه الداخل في معنى الإيجابين كما قررناه و أما الأحكام اللاحقة للعقد بعد وجوده و فرض صحته فهي ليست داخلة تحت اسم العقد و لا مقدمة لتحققه، و لا وجه لكونها تابعة للقصد، فهذه العبارة منهم دالة على اعتبار القصد في ماهية العقد و أركانه، دون أحكامه. و ثانيها: قيام السيرة القطعية من المسلمين قديما و حديثا على عدم قصد الأحكام في العقود و الإيقاعات، بل هي غير محصورة لا يكاد يطلع عليها فقيه، فضلا عن عامي! فكيف يمكن القول بعدم جريان هذه الأحكام مع عدم القصد؟ و ثالثها: إطلاق ما دل على ترتب هذه الأحكام لهذه العقود من دون تقييد بالعلم و القصد، و لا ريب أن اسم العقد و اسم البيع و الطلاق و العتق و نحو ذلك يتحقق بقصد الأركان، فاللازم شمول الأدلة الدالة على ترتب الأحكام على هذه الأسامي عموما و خصوصا لما نحن فيه، فلا وجه لهذه الشرطية. و بالجملة: لم يعرف من نص و لا فتوى اعتباره في ذلك، و لو عرض شبهة في ذلك من جهة هذه القاعدة المطلقة فإنما هو من قصور الفهم أو قلة التدبر، فإنه لا ربط لها بمسألة الأحكام و اللوازم. و رابعها: أن يكون العقد تابعا للقصد، بمعنى أن يكون كل ما قصد من العقد فينبغي تأثير العقد فيه‌ و هذا لو اتفق في الأركان من العوضين أو الإيجابين أو المتعاقدين فلا شبهة فيه، فإن كل ما تعلق فيه القصد فهو مورد العقد دون ما عداه، و يلزمه التأثير مع اجتماع سائر الشرائط. و أما لو تعلق بأمور خارجية، فإن كان قصد ما يترتب على العقد بحكم الشرع من الآثار و اللوازم الخارجية كما مثلناه فلا بحث في صحته و حصوله، لكن من حيث أصل الشرع، لأمن حيث هذا القصد، بمعنى أنه لو لم يكن قاصدا أيضا لكان ذلك كذلك، و ليس العقد فيه تابعا للقصد، بل بالعكس. و إن كان قصد ما لا يترتب على العقد لو خلي و نفسه فهل يتبعه العقد، بمعنى أنه يؤثر فيه باعتبار هذا القصد أولا؟ و فيه قسمان: أحدهما: أن يقصد عدم ترتب ما يترتب لو خلي و نفسه، كقصده عدم النفقة في النكاح الدائم، أو عدم الشفعة في محلها، أو نظائر ذلك. و بعبارة اخرى: أنه يقصد في المعاملة أو في الإيقاع عدم ترتب بعض أحكامه الشرعية التي لو لم يقصد عدمه لترتب جزما. و ثانيهما: أن يقصد ترتب ما لا يترتب لو خلي بلا قصد، كقصد النفقة و الإرث في المنقطع، و قصد خيار الفسخ في النكاح بغير أسبابه المعهودة، و قصد الخدمة في‌ العتق، و قصد الخروج من الأصل في الوصية، و نظائر ذلك. و كل من القسمين: قد يكون مع لفظ دال على ذلك القصد، بمعنى اعتبار هذا المقصود الخارجي شرطا في ضمن العقد. و قد يكون من دون لفظ واقع في ضمن العقد، بل مع المقاولة قبل العقد و بناء المتعاقدين على ذلك. و قد يكون بالمقاولة بعد العقد مع وجود القصد حال العقد. و قد يكون مجرد قصد و تواطؤ، بحيث يعلم أحدهما بأن الأخر قاصد ذلك. و قد يكون مجرد قصد من دون علم من الأخر به و لا تواطؤ عليه. فهنا صور، و لا يخفى على الفطن العارف أن صورة جعله شرطا في ضمن العقد أو قبله أو بعده و صورة العلم و التواطؤ كلها داخلة في باب الشروط التي نبحث عنها في اللواحق... العناوين الفقهية - الحسيني المراغي - ج ٢ - الصفحة ٣٠٦ وخامسها: أن حكم الشرط كالصلح فيما ذكرنا في ضبط موارد العقود: من أن كل شئ يجوز الصلح عليه واشتراطه، أو نقول: إن الشرط والصلح ملزم (١) لما أمكن إثباته واسقاطه بدونهما، وقد تقدم ذلك، فراجع (٢). العناوين الفقهية - الحسيني المراغي - ج ٢ - الصفحة ٢٠٨ عنوان [٤١] في بيان الضابط في متعلقات العقود والايقاعات. لا ريب أن متعلق العقود إما عين، أو منفعة، أو حق، أو انتفاع. فالعين تتحقق في البيع والصدقة والهبة والقرض والرهن والصلح والشركة والوصية. والمنفعة تتحقق في الوقف والسكنى والتحبيس والصلح والمضاربة والوديعة والعارية والمزارعة والمساقاة والإجارة والوكالة والجعالة والسبق والرماية والوصاية. ويتحقق الحق في (١) الصلح والضمان والحوالة والكفالة في وجه. ويتحقق الانتفاع في النكاح الدائم والمنقطع، فإن العقد فيه ليس مملكا للمنفعة، بل للانتفاع. وقد يكون هذه الأشياء في عقد معاوضة أو في عقد مجاني، وقد يكون العوض من جنسه وقد يكون من مغايره، فالصور من ملاحظة كل من الأربعة عوضا ومعوضا بانفراده واجتماعه مع مجانسه أو مغايره كثيرة، بعضها ممتنع الوقوع - بمعنى أنه ليس (٢) عقد قابل لذلك كله - وبعضها يوجد في عقد دون آخر، (١) في غير (م): الحق والصلح. (٢) في (م): بمعنى أن ليس هناك عقد. وأعم العقود هو الصلح، فإنه ليس عقد (١) أشمل منه وأكثر موردا (٢) منه. ولابد من بيان الضابط الإجمالي أولا في ذلك حتى يجعل معيارا في كل باب ويلاحظ (٣) بالنسبة إليه. فنقول: قد تقدم مرارا، أن العقود ليست من المخترعات الشرعية، بل إنما هي أمور مجعولة مقررة عند العقلاء على نحو ما يحتاجون إليه في أمر معاشهم ونظام أمورهم، وهذا كله كان موجودا في زمن صاحب الشريعة، لكنه قرر طائفة من ذلك ومنع عن طائفة أخرى، وقيد بعضها وأطلق أخرى، فالمعيار حينئذ بعد ذلك في ضبط المتعلقات والموارد إنما هو ما جرت عليه طريقة الناس في كل باب، إلا ما دل الدليل على إخراجه. وما خرج عن القانون العرفي فهو ليس بمشمول للأدلة، فيحتاج في صحته إلى دليل خاص، ولذلك جعل الأصحاب - رضوان الله تعالى عليهم - في كل باب ضابطا بحسب ما وجدوه متعارفا بين الناس في ذلك النوع. فمن العقود: ما هو لتمليك الانتفاع - كالنكاح - ومنها: ما هو للتسليط على التصرف، ومنها: ما هو لتمليك عين، ومنها: ما هو يتعلق بالمنافع، ومنها: ما يتعلق بالحقوق، ومنها: ما يتعلق بالاثنين أو الثلاثة. ثم قد يكون المتعلق شيئا موجودا في الخارج معينا، وقد يكون [موجودا] (٤) في الخارج كليا مشاعا، وقد يكون معدوما معينا، وقد يكون معدوما كليا ونحو ذلك من التقسيمات، فلابد في الضبط من رسم مباحث. الأول: كل عقد فيه جهة مالية لا يصح أن يكون متعلقا بما لا مالية له. والمراد بالمال أخص من الملك، إذ المملوك كل ما كان للإنسان تسلط عليه شرعا في التصرفات، والمال عبارة عماله قيمة في العادة، فحبة الحنطة وقشر الجوز ونحو ذلك من الأشياء الحقيرة وإن كانت مملوكة لمالكها لا يجوز غصبها وإتلافها إلا بالأذن، (١) في (م): لا عقد. (٢) في (ن، د): موارد. (٣) في (ف، م): يلاحظه. (٤) لم يرد في (ن، د). لكن لا مالية لها، فلا يجوز وقوع مثل ذلك في عقود المعاوضات كالبيع والصلح والنكاح ونحو ذلك. وبالجملة: كل شئ لا مالية له لا يكون عوضا في المعاوضات، وأما وقوعه في العقود المجانية - كالهبة والعطية ونحو ذلك - فربما قيل بأنه يصير واقعا في هذه العقود ما لا يقع في باب المعاوضة. وليس ببعيد، إذ التمليك المطلق يتعلق بحبة الحنطة كما يقع الغصب فيه ونحو ذلك، وإن كان في شمول أدلة الهبة ونحوها لمثله نظر ظاهر. الثاني: أن عقود الأعمال - كالإجارة والجعالة والوكالة ونحوها - إنما تدور مدار كون العمل مقصودا للعقلاء، وليس كل عمل يتعلق به هذه العقود، فما يعبث به الجهال من الأعمال الغير المقصودة للعقلاء - كالذهاب إلى الأماكن الخطرة ورفع صخرة ونحو ذلك - لا تتعلق به المعاملات، لعدم وجود نفع يعتد به، ولهذا لو فرض في هذه الأفعال ما يخرجها عن اللغوية ولو بالعارض يصير (١) كباب السبق والرماية الذي رخص الشارع فيه لمصلحة نظام الجهاد، مع أنة في الحقيقة نوع من القمار. (١) في (م): لصارت. العناوين الفقهية - الحسيني المراغي - ج ٢ - الصفحة ٢٢٢ قاعدة: لا ريب أن مورد الصلح يكون منفعة وحقا كما يكون عينا، وقد نص على ذلك الأصحاب في كتاب الصلح، ولا يكاد يظهر بينهم في ذلك خلاف، وقد ذكروا: أن الصلح يقوم مقام البيع والهبة والإجارة والعارية والإبراء. نعم، لهم كلام في أنه يختص بصورة سبق النزاع أم لا؟ وقد أطبق أصحابنا على التعميم. ولهم كلام أيضا في كونه فرعا للعقود المذكورة - بمعنى كون الصلح في الحقيقة عبارة عما يقوم مقامه من العقد، غايته اختلاف العبارة، ولازمه جريان جميع أحكام المنوب عنه عليه، كما نسبوه إلى شيخ الطائفة (١) وفرعوا عليه في أبواب الفقه تفريعات كثيرة لا تخفى على المتتبع - أو كونه أصلا برأسه، كما ذهب إليه المشهور بل لا يكاد يظهر في ذلك خلاف بعد الشيخ، لعموم أدلته، وأصالة عدم جريان حكم غيره فيه، وعدم دخوله تحت أسامي تلك العقود. وهنا كلام آخر مسكوت عنه في كلام الأصحاب، وهو أن العين المصالح عنها والمنفعة لا إشكال فيهما، من جهة أن ذلك قد تنقح في كتاب البيع والإجارة المنافع والأعيان القابلة للمعاوضة (٢). وأما الحق: فلم يتبين مراد الأصحاب من ذلك، ولم يعلم أن مرادهم جواز الصلح على كل حق إلا ما قام قاطع (٣) على عدم الجواز فيه أو جواز الصلح على الحق في الجملة، بمعنى كون مورده أعم من العين والمنفعة، وليس غرضهم بيان أن أي حق يصير موردا للصلح، وأي حق لا يصير. وبالجملة (٤): نقول: لا ريب أن من الأعيان والمنافع والحقوق ما هو قابل لأن يكون (٥) موردا للعقود الاخر غير الصلح، وما هو غير قابل لشئ منها، وما هو مشكوك فيه، فما هو قابل للبيع والإجارة والإبراء من الأعيان والمنافع والحقوق فلا كلام في أن الصلح أيضا يتعلق به، لعموم (الصلح جائز بين المسلمين، إلا ما أحل حراما أو حرم حلالا) (٦) والظاهر أن هذا مما لا بحث فيه، وإنما الكلام في الأشياء التي لا تقع موردا للعقود الاخر، ولا كلام فيها أيضا في خصوص أعمية الصلح في الجملة، بمعنى: أن من الأعيان والمنافع ما هو غير قابل للبيع والإجارة، وهو قابل للصلح، لكن لا ريب أن ذلك ليس فيما هو مطمح نظرنا من ملاحظة أصل القابلية، بل ذلك بحسب العوارض، كالمجهول ونحوه.  1(صرح بذلك في المبسوط ٢: ٢٨٨. (٢) كذا وردت هذه الفقرة في غير (م) ولا يخفى ما فيها، ولذا غيرها واختصرها مصحح (م) بما يلي: ثم إنه لا إشكال في جواز الصلح على المنافع والأعيان القابلة للمعاوضة. (٣) في (م): دليل. (٤) من قوله: بمعنى كون مورده... إلى هنا لم يرد في (م)، مع تبديل (نقول) ب‍ (فنقول). (٥) في غير (م): (ما هي قابلة لأن تكون) وهكذا فيما يأتي في هذه الفقرة. (٦) الوسائل ١٣: ١٦٤، الباب ٣ من أبواب أحكام الصلح، ح ٢، وفيه: إلا صلحا أحل حراما... وبعبارة أخرى: أعمية الصلح في الأعيان والمنافع عنهما إنما هي في اختلاف الصفات، لا أن شيئا غير قابل للبيع بالذات قد يكون قابلا للصلح، وقد أشرنا سابقا في الضابط (١): أن عقود المعاوضات كلها مبنية على اعتبار عوض مالي له قيمة مع وجود النفع المحلل المقصود عند العقلاء، كما أشار إلى هذا الضابط المحقق الثاني في شرح القواعد في كتاب البيع (٢) ويوافقه التتبع. والصلح من عقود المعاوضات، كما نص عليه المحقق الثاني (٣) حتى أن قيامه مقام الإبراء أيضا لا يكون إلا بصورة معاوضة، كقولك: صالحتك عن عشرة بخمسة. وأما في الحقوق: فهل هو أيضا كذلك - بمعنى: أن كل حق ثبت جواز إسقاطه والإبراء عنه يجوز كونه موردا للصلح - أو لا، بل يجوز أن يكون من الحقوق ما لا يسقط بالإسقاط، ولكن يمكن الصلح عليه ويلزم؟ وتفصيل الكلام: أن الحقوق، منها: ما علم بالإجماع والضرورة أنه غير قابل للسقوط، لا بصلح ولا بغيره، كحق استمتاع الزوج عن الزوجة، فإنه لا يسقط بإسقاطه، وكذا لو صالح عنه، بل له الاستمتاع متى شاء. وكذا حتى السبق في باب الرماية، فإنه إذا أصاب أحدهما أزيد من الاخر ولم يتم النضال فلا يجوز الصلح على إسقاط الزائد - كما نص عليه في الروضة (٤) - لمنافاته لمشروعية المعاملة، أو للإجماع. (١) في (ن): الضابطة. (٢) جامع المقاصد: كتاب البيع الفصل الثالث في العوضين ج ٤ ص ٩٠. (٣) جامع المقاصد ٥: ٤١١. (٤) بل نص بذلك في اللمعة، وقرره في الروضة ٤: ٤٣٤.   ومنها: ما علم قبوله للإسقاط بلا عوض، أو بصلح، كالحقوق المالية، من حق خيار، أو حق شفعة، أو حق قصاص، أو حق رهانة - أو نحو ذلك - فإنها قابلة للإسقاط، وقد نص على ذلك الفقهاء في أبواب الفقه، كما لا يخفى على الممارس. ومنها: ما هو مشكوك السقوط والعدم، أو معلوم عدم السقوط بالإسقاط المجاني، ومشكوك السقوط بالصلح، وله موارد في النظر الان ويظهر أكثرها بعد التأمل، ونشير إلى ما هو في النظر حتى يكون عنوانا للبحث (١). أحدها: الصلح على مثل حق الأبوة. وثانيها: الصلح على حق الحضانة. وثالثها: الصلح على حق الولاية لو كان الولي اثنين - كالأب والجد - إذا صالح أحدهما حق الاخر بشئ. ورابعها: صلح حق القسمة للزوجات، وكذا حتى المضاجعة والمواقعة، ولعل المسألة مفروضة في كتب الفروع (٢). وخامسها: الصلح على حق رجوع الزوج، فيما إذا طلق رجعيا بأن تصالحه (٣) الزوجة عن ذلك بشئ حتى لا يبقى له بعد ذلك رجوع. وسادسها: الصلح على الحقوق الثابتة في العقود الجائزة كحق الفسخ في نحو الشركة والمضاربة ونحوها (٤) وحق العزل في الوكالة، وحق المطالبة في القرض والوديعة والعارية - ونظائر ذلك - فهل يجوز الصلح على شئ من ذلك حتى يلزم ويسقط الحق أم لا؟ وسابعها: الصلح على مثل حق السبق في إمامة الجماعة، أو في المسجد، أو نحو ذلك. وثامنها: الصلح على حق التولية الذي يجعل في مثل الوقف ونحوه. وتاسعها: الصلح على حق النفقات في مثل الأبوين ونحوه. وعاشرها: الصلح على حق الفسخ في النكاح بسبب أحد العيوب. (١) وردت العبارة في (م): مختصرا، هكذا: وله موارد نشير إليها حتى تكون عنوانا للبحث. (٢) قوله: ولعل المسألة... لم يرد في (م). (٣) في غير (م): يصالح. (٤) في (م): في الشركة والمضاربة ونحوهما. والحاصل: الغرض من هذا البحث أن الصلح هل هو صحيح في كل حق على مقتضى القاعدة إلا ما أخرجه الدليل - سواء كان من الحقوق المعلوم جواز إسقاطها (١) مجانا أو المعلوم عدم جواز إسقاطها (٢) كذلك أو شك في جواز إسقاطه (٣) وعدمه - أم لا، بل لا يصح الصلح إلا على ما يصح الإبراء عنه والإسقاط؟ وينبغي أن يعلم: أن هذه المسألة ليست هي المسألة الفرعية المعهودة في كتب القوم، لأنها مبنية على أن حكم الصلح في الخيار ونحوه هل هو حكم العقود الخمسة (٤) أم لا؟ وهذه المسألة مبنية على أن مورد الصلح هل هو عبارة عما يمكن أن يكون موردا لأحد الأمور الخمسة - من إسقاط أو عارية أو نحو ذلك - أم مورده أعم من ذلك؟ فيمكن صحة الصلح على شئ ليس قابلا لشئ من المعاملات الخمسة، وهذا الفرق لا يكاد يشتبه على من له خبرة بمذاق الفن. إذا عرفت محل البحث، فنقول: المسألة ذات وجهين، بل ذات قولين: ظاهر بعض عبائر الفقهاء كون الأصل في كل ما شك فيه جواز الصلح، ولذلك ينصون في المقامات التي لا يقبل الصلح عليه (٥) - وهو ظاهر بعض المعاصرين (٦) أيضا - بل قد تداول الصلح على حق الرجعة وعلى حق الفسخ في العقود الجائزة في بلاد العجم على ما نقلوا عنهم (٧) وهو لا ينشأ إلا من فتوى من يعتمدون عليه من العلماء. وظاهر طائفة من المعاصرين ومن قاربنا (٨) من السلف - منهم الشيخ الفقيه المحقق (موسى بن جعفر الغروي) قدس الله تعالى سرهما، حيث نص عليه في الدرس عند قراءتنا عليه - عدم جواز الصلح إلا على ما يقبل الإسقاط وبعبارة أخرى: ليس الصلح مشرعا، بل إنما هو ملزم، ويريدون من هذه العبارة عدم جواز الصلح على حق لم يثبت جواز إسقاطه بغيره. (١) في (ف، م): إسقاطه. (٢) في (ف، م): إسقاطه. (٣) كذا في النسخ، والمناسب: إسقاطها. (٤) المراد من (العقود الخمسة) هو البيع والإجارة والعارية والهبة والإبراء. (٥) في (م): لا يصح الصلح عليها. (٦) لم نقف عليه. (٧) العبارة في (م) هكذا: في جملة من الأمصار على ما حكي. (٨) في (م): قاربهم. ومنشأ الخلاف: أن عموم ما دل على أن (الصلح جائز بين المسلمين إلا ما أحل حراما أو حرم حلالا) (١) هل يشمل مثل ذلك أم لا؟ (١) الوسائل ١٣: ١٦٤، الباب ٣ من أبواب أحكام الصلح، ح ٢. ... فنقول: كل مقام شك في جواز الصلح عليه وعدمه نتمسك بعموم جواز الصلح، إلا ما أخرجه الدليل. ... وبالجملة: صرف العمومات إلى ما ثبت قيام نظائره من العقود مقامه محل إشكال محتاج إلى الدليل، مع أنا نتمسك في الصلح على المجهول أو على ما لا يقدر على تسليمه - أو نحو ذلك من الا مور التي لا يقع عليها بيع وغيره - بعموم (الصلح جائز) فلو بني على الانصراف إلى موارد البيع والإجارة والإبراء ونحوها لما كان لهذا الاستدلال موقع أصلا. ... وبالجملة: الاقتصار في الصلح على ما يقبل الإسقاط أشبه وإن كان التعميم لا يخلو من وجه معتمد، ومن ذلك الباب: الصلح على اليمين في المنازعات لإسقاط أو دفع أو أخذ بصورها المتشعبة كما تداوله بعض المتفقهة، والله العالم. العناوين الفقهية - الحسيني المراغي - ج ٢ - الصفحة ٢٤٨ عنوان [٤٣] في بيان مقتضيات العقود: اعلم أن للعقد مقتضيات باعتبار ذاته، وله مقتضيات باعتبار إطلاقه، ويترتب على ذلك في الفقه فروع كثيرة نبه عليها الأصحاب في كل باب، ويترتب على ذلك أيضا بطلانالشروط المنافية لمقتضى العقد، كما ذكره الأصحاب، ويأتي (١) تنقيحه في باب الشروط إن شاء الله تعالى. والمراد بمقتضيات ذات العقد: ما تتحقق ماهية العقد وصحته بها، وبانتفائها تفوت الماهية، سواء كان ذلك من الأركان الداخلية، أو من اللوازم والآثار الخارجية. والمرجع في معرفة هذه الأشياء العرف في بعض المقامات بل أكثرها، والشرع في بعضها، من جهة أن المدار في المعاملات على ما هو طريقة الناس غالبا، ولم يصدر من الشارع في هذا الباب سوى جعل شروط وبيان موانع. (١) في (ن): سيأتي. فماهية المعاملات تقتضي في الخارج أجزاء وآثارا لو لم تتحقق تلك المقومات واللوازم لارتفع الاسم ولم توجد الماهية في العرف والعادة وهذا يرجع إلى ملاحظة مفاهيم العقود، فإن الوقف - مثلا - تمليك المنفعة أو تسبيلها مع حبس العين، وهذا مفهومه العرفي الذي يفوت لو لم يكن هناك عين أو منفعة، أو لم تكن العين مما من شأنه البقاء، أو كان ذلك كله ولم يتحقق التمليك أو لم يتحقق التحبيس، أو جعل موقتا أو منقطعا، فإن كل ذلك مما يخالف مقتضى ذات عقد الوقف ويشاركه في الأغلب السكنى والتحبيس. ويشترك البيع والإجارة والصلح والجعالة والسبق والرماية في اقتضاء ذاتها المعاوضة، فلو كان بدون العوض أو بدون التمليك - على فرض تحقق المقصود - لم يتحقق اسم المعاملة. ومثل ذلك: كون المضاربة المعاملة (١) بحصة من الربح، والمزارعة معاملة على الأرض بحصة من النماء، والمساقاة معاملة على الأصول بحصة من الثمرة، فإن كل ما يقتضيه ماهية العقد وتحقق اسمه يسمى (مقتضيات الذات) كما ذكرناه. ومنها: الاستمتاع في النكاح، والنفقة في الدائم منه في وجه. ومن هذه الأمثلة قد عرفت (٢) كون مقتضى الذات شرعيا بمعنى كونه مجعولا للشرع وإن لم يحكم به العرف، وعرفيا بمعنى حكم العرف به وإن لحقه الشرع، كالتسليط على التصرف في التمليكات، فإنه من اللوازم التي تكشف انتفاؤها عن انتفاء الملك ما لم يمنع مانع. ولا ريب في اعتبار هذا النوع من المقتضيات، لعدم شمول الأدلة بدونها، وفي بطلان (٣) اشتراط ما خالفها - كما نذكر في بحث الشرط - لعدم العبرة بالشرط مع عدم تحقق المشروط فيوجب صحته بطلانه، وذلك واضح. والمراد بمقتضيات الإطلاق: كل ما يقتضيه العقد بحسب إطلاقه، بمعنى عدم ذكر ما يقيده بوصف أو وقت أو مكان أو نحو ذلك، سواء كان من جهة العرف الخاص أو العام أو اللغة. والميزان: ما ينصرف إليه لفظ المعاملة، أو يحكم بأنه المقصود منها ما لم ينكشف خلافه، وهذا أيضا ينكشف بتتبع العرف غالبا، وقلما يتفق أن يكون تعبديا. (١) في (م): معاملة. (٢) في (م) زيادة: أن. (٣) عطف على قوله: في اعتبار. وقد ذكر الفقهاء من هذه القاعدة العرفية فروعا نشير إليها إجمالا: منها: مسألة انصراف إطلاق الوقف والوصية على جماعة إلى (١) التسوية بينهم وإن اختلفوا بالذكورية والأنوثية. ومنها: اقتضاء إطلاق الوصية لدفع مال إلى أحد جواز تصرفه فيه كيف شاء. ومنها: انصراف إطلاقات العقود إلى الدوام في مثل الوقف والسكنى والعارية ونحو ذلك. ومنها: انصراف إطلاق السكنى إلى كون سكناه بنفسه ومن جرت عادته به. ومنها: اقتضاء إطلاق المعاوضة بصلح أو إجارة أو بيع - أو نحو ذلك - كون العوض والمعوض حالين، لأنه مقتضى العادة، وأدلة لزوم الرد إلى المالك، ومقتضى حال المتعاقدين في هذا الفرض. ومنها: اقتضاء الإطلاق في العوض كونه من النقد الغالب حيث لا يحتاج إلى التعيين. ومنها: انصراف إطلاق الكيل والوزن إلى المعتاد عند المتعاقدين، أو عند أهل البلد. ومنها: انصراف إطلاق نحو القرض وغيره من المعاوضات إلى المطالبة أو التسليم في بلد العقد، على تفصيل طويل في ذلك مذكور في باب السلم. ومنها: اقتضاء إطلاق الرهن تسلط المرتهن في الاستيفاء من دون مدخلية شئ آخر. ومنها: اقتضاء إطلاق المضاربة إنفاق العامل كمال نفقته من المال، و (٢) انصراف إطلاق الوديعة إلى لزوم الحفظ على المتعارف، بمعنى لزوم جعل كل شئ في مكانه اللائق. (١) في غير (م): على. (٢) في هامش (م) زيادة: منها، خ ل.   ومنها: اقتضاء إطلاق المزارعة جواز زرع ما شاء العامل. ومنها: اقتضاء إطلاق المساقاة لزوم كل عمد (١) متجدد في السنة على العامل مع ما يقتضيه من المقدمات. ومنها: اقتضاء إطلاق الإجارة جواز عمل الأجير بنفسه أو بغيره، وجواز تسليمه العين المستأجرة إلى غيره في وجه، وتمليكه المنفعة لشخص آخر. ومنها: اقتضاء إطلاق الوكالة التصرف في البيع بثمن المثل فما زاد، والشراء بثمن المثل وما دون. ومنها: اقتضاء إطلاق عقد الرمي المحاطة في قول، والمبادرة على قول آخر. ومنها: اقتضاء إطلاق عقود المعاوضات - وإن كان نكاحا - توقف القبض من جانب على القبض من آخر، فلكل منهما الامتناع عن التقدم، لأن ذلك وظيفة المعاوضة، والمخالف شاذ، فإن امتنعا تقابضا، وإن امتنعا أو أحدهما أجبرهما الحاكم على التقابض. وغير ذلك مما يطلع عليه الممارس (٢) كثير. والمدار في ذلك كله اقتضاء العقد في العرف ذلك، بمعنى: أن مفاده عند الناس ما ذكرناه، فتكون هذه الأمور على فرض الإطلاق بمنزلة المصرح به، وهذه تسمى: مقتضيات إطلاق العقد.  (١) كذا في النسخ، وفي هامش (م): عمل، خ ل. (٢) في (م) زيادة: وهو. ... والفرق بين هذه المقتضيات: أن ما يقتضيه الماهية مستحيل الانفكاك والتخلف، حتى لو صرح بخلافها بطريق شرط أو غيره لا ينفع في شئ، لأن ذلك مخرج للعقد عن موضوعه، ولا عبرة بالتابع بعد بطلان متبوعه، وسيتضح ذلك في بحث الشروط. وما يقتضيه الإطلاق قابل للتغيير بشرط أو قيد أو نحو ذلك، والوجه فيه: أن العلة في اعتبارها دلالة العقد عليها بإطلاقه، فإذا قيد دل على خلافه، ويلزم الوفاء بمقتضى القيد، لما مر من الدليل، ولا يلزم من ذلك محذور أيضا، لأن الفرض أن هذه الأمور ليست مقومة، بل العقد قابل لها ولغيرها، فبالتقييد لا يخرج العقد عن موضوعه، ولا يضر ذلك في الاندراج تحت الأدلة. العناوين الفقهية - الحسيني المراغي - ج ١ - الصفحة ١٧٨ عنوان [٦] من الضوابط اللازمة المراعاة في أبواب الفقه: أن الأحكام تتبع الأسماء. وذكر الفقهاء في المطهرات: أن الاستحالة من المطهرات. وذكر الأصوليون: أن الاستصحاب يشترط فيه بقاء الموضوع. وقد اختلط هذه المباحث على طائفة من المتأخرين، ونحن وإن لم نكن في صدد ذلك، لكن نذكر كلمات مختصرة هنا مقدمة على ما نريده من الإشارة إليه من الضوابط. فنقول: معنى قولنا: (إن الأحكام تابعة للأسماء) أن الأدلة الدالة على بيان الأحكام لما كانت لفظية - أو آئلة إلى اللفظ لا محالة - فلا بد من التعبير عن موضوع ذلك الحكم بلفظ من الألفاظ، فإذا عبر عن ذلك بلفظ: فتارة: نعلم أن لخصوص هذا اللفظ مدخلية (١) في هذا الحكم، لا بمعنى أن غيره لا يثبت فيه هذا الحكم، بل أن هذا الشئ متى ما تغير اسمه المخصوص (٢) لم يثبت فيه هذا الحكم. وتارة: نعلم أن هذا الاسم لا خصوصية له في أصل الحكم، وإنما الحكم لأمر (١) في (ن، ف): خصوصية هذا اللفظ له مدخلية. (٢) العبارة في (ن، ف): بل هذا الشئ متى ما تغير اسم هذا. كلي وهذا فرد من أفراده، عبر به: إما لأنه موضع الحاجة، أو لأنه غالب الأفراد، أو لمعلومية بيان حكم غيره، أو نحو ذلك. وتارة: نشك في مدخلية الخصوصية وعدمها. ولنوضح ذلك كله في مثال حتى يتضح الأمر، مثلا: إذا قال الشارع: (البول نجس والكلب نجس) علمنا أن هذه النجاسة لهذا الاسم، فلو أزيل عن هذين الجسمين هذان الاسمان - ككون البول ماء بالاستهلاك أو كون الكلب ملحا أو ترابا - فلا نجاسة في ذلك. وأما في قوله: (الناصبي نجس واليهودي نجس والنصراني نجس والمجوسي (١) نجس) علمنا من خارج أن الكافر نجس وهذه كلها من أفراده، فلا مدخلية لخصوص اليهودية في ذلك. فلو انقلب اليهودي نصرانيا أو صار كافرا آخر لا اسم له في عناوين الأخبار لقلنا بأنه أيضا نجس. وكذا لو قال: (إن الثوب إذا لاقى نجسا أو القطن إذا لاقاه أو الطين إذا لاقاه كان نجسا) علمنا أن هذه الأسماء لا مدخل لها في ذلك، وإنما الميزان: كونه جسما لاقى نجاسة، وإن ورد في الروايات بأسام خاصة على حسب الحاجات. وفي قول الشارع: (الماء إذا كان كرا لا ينجس بالملاقاة) نشك في أنه إذا انجمد (٢) فصار ثلجا هل هو كذلك أم لا؟ من جهة أنا لا ندري أن الحكم للفظ (الماء) أو لهذا العين الخاص كيف كان، وكذا في عصير العنب وعصير الزبيب ونحو ذلك. فنقول: ما علمنا فيه عنوان الحكم من خارج عاما أو خاصا فهو المتبع، إذ يصير حينئذ الاسم المعلق عليه الحكم ذلك الذي فهمناه - وإن عبر في غير مقام بأخص منه - وبزوال ذلك الاسم يزول الحكم المتعلق به من جهة هذا الاسم وإن لحق من جهة أخرى، فإن الخمر المنقلب خلا يطهر من هذه الحيثية وإن لحقه (١) في (ن، ف): المجوس. (٢) في (ن): تجمد. نجاسة مع (١) ملاقاة نجس ونحوه. وما شككنا فيه فاللازم اتباع ذلك الاسم الذي عبر به في دليل الحكم. وعلى الأقسام الثلاثة فالحكم صار تابعا للاسم، لا أسامي الموجودات والأعيان الخارجة مطلقا، بل الاسم الذي علمنا من خارج أو تعبدا من ظاهر اللفظ أنه موضوع الحكم. إذا عرفت هذا فاعلم: أن ما صرنا إليه من طهارة النجاسات والمتنجسات أيضا بإحالة النار رمادا أو دخانا ليس لقاعدة (٢) تبعية الحكم للاسم وإن جاء في بعض أفرادها، ولا لعدم حجية الاستصحاب مع زوال الاسم مطلقا حتى يرجع إلى قاعدة الطهارة وإن كان متجها في بعض الفروض، بل إنما هو لأدلة تعبدية قامت على مطهرية النار، فراجع ما حققناه في مطهرات (الحياض المترعة) - شرحنا على المختصر النافع - حتى تقف على تنقيح المقام بمالا مزيد عليه، وهو الظاهر أيضا من أصحابنا. ولهذا تسرى بعضهم إلى الفحم والخزف والاجر والجص ونحو ذلك، بل تسرى الشيخ رحمه الله إلى خبز العجين النجس (٣). وهذا كله مما دل على مطهرية ا لنار، ولا ربط له بمسألة الاسم والاستصحاب والاستحالة. نعم، مطهرية الاستحالة مأخوذة من هذه القاعدة، ومدارها على تغير الاسم الذي هو عنوان الحكم، سواء علم من قرائن خارجية أو اخذ تعبدا من النص. وقد ورد رواية في الخمر أيضا (٤) مشيرا إلى هذه القاعدة، ومنبها على العبرة بالخروج عن اسم الخمر.   (١) في (م) تطهر ممن هاه الحيثية وان لحقها نجاة من... (٢) في (ن، ف) بقاعدة. (٣) قال الشيخ في النهاية في باب المياه: (فان استعمل شئ من هذه المياه النجسة في عجين يعجن به ويخبز لم يكن به باس بأكل ذلك الخبز، لان النار قد طهرته) لكنه في يباب الأطعمة أفتى بعدم جواز اكل ذلك الخبز، انظر النهاية: ٨، ٥٩٠. (٤) الوسائل ١٧: ٢٩٧، الباب ٣١ من أبواب الأشربة المحرمة، ح ٥. العناوين الفقهية - الحسيني المراغي - ج ٢ - الصفحة ٢٤٢ عنوان [٤٢] في توابع العقود: ومجمل الكلام فيه: أن كل عقد له تعلق بما هو موافق لموضوعه الثابت له ذلك عرفا و (١) عادة أو شرعا، وهو الذي يقصد في المعاملة ولا يكون ما عداه مرادا بالذات. ولكن قد يكون لمتعلقات العقود أمور يتبعها (٢) في نظر العرف، بحيث إن إطلاق اللفظ في المتعلق أو إطلاق المعاملة يقتضي انضمام ذلك التابع في العرف. وقد يكون التبعية ثابتة بحكم الشرع، بمعنى: أن الشارع يحكم بلزوم إلحاق شئ على المقصود وإن لم يكن ذلك الملحق مقصودا، وهذه الأمور نسميها بالتوابع. فالذي يكون تابعا شرعا يحتاج في إثبات ذلك إلى وجود دليل شرعي معتبر على التبعية، كما ذكره الفقهاء فيما لو أوصى بإعطاء صندوقه لزيد أعطي بما فيه، أو بإعطاء سفينة له أعطي بما فيها، نظرا إلى ما ورد في الرواية (٣) فبعضهم عمل بها على الإطلاق، وبعضهم قيدها بعدم القرينة على الخلاف، وبعضهم لم يعمل بها منعا (١) في (ف): أو. (٢) كذا، والمناسب: تتبعها. (٣) راجع الوسائل ١٣: ٤٥٢، الباب ٥٨ و ٥٩ من أبواب أحكام الوصايا. للتبعية وطرحا للرواية واعتمد على وجود القرينة على الدخول حيث تحققت (١) وكما (٢) في دخول الطلع الذي لم يؤبر في بيع النخل بالنص. والتابع العرفي يحتاج إلى دلالة العرف على التبعية، فإن كان المتعاقدان من أهل العرف العام فيدخل ما هو تابع عرفا، وإن كان من أهل اصطلاح خاص فيدخل ما هو تابع في اصطلاحهم. ويجئ في ذلك مسألة تعارض العرفين والعرف واللغة، وتحقيقه بقول مجمل ما يحكم القاعدة بأنه المراد، أو الأقرب إليه. وقد ذكر الفقهاء لذلك أمثلة في بحث التوابع، كمفتاح الدار وأساس الحائط والغلق والسلم المثبت والأوتاد ومزارع القرية ومرافقها وثياب العبد والأمة، وهذه المذكورات لعله تجئ في سائر العقود الناقلة للأعيان: من هبة وصلح وإصداق وعوض إجارة ونحو ذلك، إذ الميزان دخول هذه الأمور تحت اللفظ عرفا وإن ذكرها الفقهاء في بابالبيع، وذكروا في باب الإجارة مثل القتب والزمام والحزام والسرج والبرذعة [ورفع الإجمال] (٣) والمحمل والمداد في الكتابة وكش التلقيح وخيوط الخياطة والصبغ في الصباغة ونظير ذلك. وأنت بعد التأمل في ذلك تقدر على ملاحظة التوابع في جميع ما يمكن جريانها فيه: من عقود الأعيان والمنافع، عوضا كان أو معوضا، أو بدون المعاوضة، فإن المدار على دخول ذلك تحت إطلاق اللفظ في عرف التخاطب مطلقا. وإذا عرفت معنى التابع لا تبقى لك شبهة في اتباع ذلك التابع والحكم لدخوله (٤) تحت مفاد الأدلة في الأبواب كلها، وهو المتبع. وخلاف الفقهاء في دخول بعض وعدم آخر ليس نزاعا في حكم شرعي ابتداءا، (١) إن أردت تفصيل الكلام في المسألة وتسمية قائلي كل من تلك الأقوال راجع مفتاح الكرامة ٩: ٥٤١. (٢) عطف على قوله فيما تقدم: كما ذكره الفقهاء فيما لو أوصى.... (٣) ما جعلناه من المعقوفتين لم نتحقق معناه، وأسقطه مصحح (م). (٤) كذا، ولعله مصحف: بدخوله. بل هو بحث في شمول اللفظ عرفا وعدمه، كما اختلفوا في أصل اجزاء المبيع (١) ومقوماته أيضا من جهة الخلاف في معاني الألفاظ. والظاهر: أن اختلاف كلامهم في هذا الباب لا ينزل على البحث في الحكم، وإنما هو نزاع في الموضوع، ويمكن حمله على اختلاف العرف بحسب كل مكان وزمان، فلا نزاع. وهنا أمور: أحدها: أن التوابع لا يشترط فيها ما هو شرط في أصل متعلقات العقود، فيجوز أن يكون (٢) التابع في الإجارة عينا، كماء البئر في إجارة الدار، والعلف في إجارة الأرض للرعي في وجه مر إليه الإشارة (٣) ويجوز أن يكون التابع مجهولا مع كون أصل العقد يشترط في عوضه المعلومية، وقس على ذلك سائر الشرائط، وإلى هذا المعنى ينزل قولهم: (يغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل) على أحد الوجوه. وثانيها: أن التوابع إذا وجدت تبعت، وإذا لم توجد لم يجب إيجادها والإتيان بها، فلو لم يكن للدار مفتاح لم يجب على البائع أو المؤجر تسوية المفتاح، وكذا لو لم يكن للدابة سرج أو لجام في الإجارة ونحو ذلك. وكذا لو تلف شئ من التوابع قبل القبض لا يوجب تبعض صفقة، لأنها غير مقابلة بالاعواض، ولا يوجب الخيار أيضا، إذ لم يكن ذلك مقصودا حتى يلزم بفواته الضرر. وثالثها: أنه قد ذكرنا أن التوابع ما يتبعه في نظر أهل العرف، فلا يكون ذلك بقصد المتعاقدين، فلو جعل شيئا متبوعا وآخر تابعا بالقصد لا يصح ما لم تتحقق التبعية في الخارج، فلو باع شيئا من الحنطة - مثلا - مكيلا أو موزونا بثمن وجعل مقدارا آخرمجهول الوزن والكيل تابعا لم يصح، لأن كلا منهما مستقل في المقصودية، وليس أحدهما تابعا للاخر، والقصد لا ينفع في ذلك. (١) في (ن، د): إجراء البيع. (٢) في غير (م): أن يجوز. (٣) قد مرت الإشارة إليه في العنوان السابق، ص: ٢٣٢. وذكر الشهيد الثاني في الروضة في باب البيع في شرط المعلومية: أن بيع اللبن في الضرع غير جائز وإن ضم إليه شيئا معلوما، وعلله بأن ضم المعلوم إلى المجهول يصير المعلوم مجهولا، ثم قال: وبالغ الشيخ فجوز ضميمة ما في الضرع إلى ما يتجدد مدة معلومة - إلى أن قال -: وفصل آخرون فحكموا بالصحة مع كون المقصود بالذات المعلوم وكون المجهول تابعا، والبطلان مع العكس وتساويهما في القصد، وهو حسن، وكذا القول في كل مجهول ضم إلى معلوم (١) انتهى. وأنت خبير بأن جعل القصد هو الميزان في الأصلية والتبعية بعيد عن طريقة الفقه وعن الأدلة، والأقوى ما ذكرناه من: أن قصد التبعية لا يجعل الشئ تابعا، بل لابد من شرع أو عرف عام أو خاص. ولا يخفى عليك أن مسألة بيع الآبق مع الضميمة - أو إجارته أيضا على قول - ليس من باب التبعية - كما قد يتخيل - بمعنى: أن يجعل المقصود الضميمة والآبق تابعا ولهذا لا يعتبر فيه القدرة على التسليم، وإلا للزم جواز ذلك في كل مبيع لا يقدر على تسليمه. ودعوى: أنه مع قصد التبعية يجوز في كل مقام، غير مسموعة، بل ساقطة جدا، بل هو (٢) لدلالة النص. ومن العجب! أن الشهيد الثاني ذكر ذلك في باب العلم والجهل (٣) ولم يذكر في سائر الشرائط، مع أنه على كلامه: يجوز جعل الوقف تابعا للطلق، وما لا منفعة فيه تابعا لذي المنفعة، وغير المقدور تابعا للمقدور، وما حرم بيعه تابعا لما لا يحرم، فلم اكتفى بخصوص مسألة المعلوم والمجهول؟ وليس ذلك إلا لأدائه إلى مخالفة الضرورة والوجدان. فالمدار في التابع هو ما ذكرناه من الميزان، ويجري عليه أحكامه التي ذكرناها من دون إشكال. (١) الروضة ٣: ٢٨٢. (٢) يعني: جواز بيع العبد الآبق مع الضميمة. (٣) يعني: معلومية المبيع ومجهوليته. http://shiaonlinelibrary.com