فیشهای قواعد فقه تاریخ 26 فروردین(1)
قاعده لا ضرر
- مئة قاعدة فقهية- السيد المصطفوي ص 243 :
المعنى : معنى القاعدة هو نفي الحكم الضرري في الشريعة المقدسة ، وذلك إمتنانا على العباد ، فعليه كل عبادة أو معاملة كان مستلزما للضرر ينتفي إمتنانا للمكلف ، كما إذا كان الوضوء أو البيع مثلا موجبا للضرر فعندئذ يرتفع وجوب الوضوء وينفسخ البيع ، لعدم جعل الحكم الضرري في الأسلام . الضرر العملي : إن المقصود من الضرر هو الضرر العملي الدنيوي ، كما قال الشيخ الأنصاري رحمه الله : فالتحقيق أن المراد بالضرر خصوص الدنيوي وقد رفع الشارع الحكم في موارده امتنانا ، فتكون القاعدة حاكمة على جميع العمومات المثبتة للتكليف ، نعم لو قام دليل خاص على وجوب خصوص تكليف ضرري خصص به عموم القاعدة ( 1 ) .
فدليل نفي الضرر - كما أفاده - حاكم بالعنوان الثانوي ( فرض الضرر ) على الأدلة التي تثبت الأحكام بعناوينها الأولية . الضرر الخاص : إن موضوع النفي هو الضرر الشخصي الخاص لا الضرر النوعي ، لأنه لا معنى لنفي الحكم الضرري الذي لم يتحقق ، وذلك لعدم وجود الضرر في بعض الأفراد ( في فرض الضرر النوعي ) ، فكيف يرتفع الحكم الضرري
* ( هامش ) *
( 1 ) المكاسب : رسالة نفي الضرر ص 374 .
ص 244 :
عن الشخص الذي تحقق الضرر على شخص آخر .
- العناوين الفقهية - الحسيني المراغي ج 1 ص 304 :
من جملة الاصول المتلقاة من الشريعة ( قاعدة الضرر والضرار ) وهو من القواعد الكثيرة الدوران العامة النفع ، ويبتني عليه كثير من الفروع في الفقه ، إلا أن الأجمال المخل إنما هو في معناه وفي كيفية دلالته ، ولهم في ذلك كلمات كثيرة ، والذي ينبغي البحث في ذلك تنقيح المراد منه بحسب ما يستنبط من كلمة الأصحاب ، لأنها المعيار في أمثال الباب . فلا بد أولا من ذكر المقامات التي استندوا فيها إلى ( قاعدة نفي الضرر ) حتى يتضح من مجموعها ما ينبغي أن يقال في ضبط المعنى والمراد وتحرير الاستدلال ، ليكون جامعا بين النص والفتوى .
فنقول : من جملة موارد القاعدة ما مر في مسألة العسر والحرج ، فإن كل ما فيه عسر وحرج فهو داخل في معنى الضرر - وصرحوا بذلك في طائفة من الموارد - إلا أن العسر ونحوه إنما يتحقق غالبا في حيثية الحكم التكليفي ، والضرر أعم منه ومن الوضعي .
ج1 ص 305 :
ويندرج تحته : لزوم دية المتترس ( 1 ) المقتول على المجاهدين ، وسقوط النهي عن المنكر وإقامة الحدود مع عدم الأمن ، وعدم الأجبار على القسمة مع تحقق الضرر ، وعدم لزوم أداء الشهادة كذلك ، وحرمة السحر والغش والتدليس ، ومشروعية التقاص ، وجواز بيع ام الولد في مواقع ، والتسعير على المحتكر إن أجحف ، وحرمة الاحتكار مع حاجة الناس ، وتفريق الام عن الولد ، وجواز قلع البائع زرع المشتري بعد المدة ، وتخير المسلم في الفسخ مع انقطاع المسلم فيه عند الحلول ، وتخير المرابح عند الكذب والخديعة ، وفي خيار التأخير وما يفسد ليومه والرؤية والغبن ، وعدم سقوط خيار الغبن بالخروج عن الملك ، وخيار العيب والتدليس والتصرية والشركة وتعذر التسليم وتبعض الصفقة ، وحلول الديون بموت المديون ، وبيع ما يتسارع إليه الفساد من الرهن ، وخيار الغبن في الصلح ، وعدم جواز شراء المضارب من ينعتق على المالك ، وعدم لزوم دفع الغاصب على الودعي ، وجواز دفع الوديعة إلى الحاكم أو الثقة عند الضرورة ، وعدم جواز الرجوع في مثل عارية اللوح في السفينة ، وتخير المالك مع زراعة ما هو أشد ضررا من المأذون فيه ، وفسخ المشتري مع ظهور العين مسلوب المنفعة ، والخيار في الأجارة لو عم العذر عقلا أو شرعا ، ومهلة الشفيع لو تضرر المشتري ، وعدم تبعض الأخذ بالشفعة ، وعدم بطلانها بالفسخ بعيب ونحوه ، وعدم لزوم الوصاية ما لم يقبل ، وتخير المولى عليه لو زوجه الولي بغير الكفو أو بذات العيب ، وجواز تزويج الأمة مع العنت ، وخيار الزوجة مع فقر الزوج ، وحرمة الدخول في السوم والخطبة بعد إجابة الغير ، وفسخ النكاح بالعيوب ابتداءا واستدامة في أحد الزوجين ، وترك القسمة بأقل من ليلة أو بأكثر ، وسقوط قسمة المجنونة ، وعدم جواز العضل على أزيد مما وصل منه إليها ، وسماع دعوى المقر المواطاة ، وعدم
* ( هامش ) *
( 1 ) في غير ( م ) : الترس . جواز إحياء مشعر العبادة ، وحرمة التطويل أو المانعية في المشتركات
ج1 ص 306 :
كالمساجد والمشاهد والطرق والأسواق ، ونحو ذلك - وعدم جواز القصاص في الطرف مع التغرير ( 1 ) بالنفس ، وشرعية أصل القصاص والديات وكثير من جزئيات فروعهما ، فتدبر .
وبعد التأمل في ذلك كله يظهر : أن أصحابنا فاهمين عدم الضرر بما يشمل ذلك كله ( 2 ) . وتنقيح هذا المطلب من جملة المشكلات ، فانتظر .
والمستند في هذه القاعدة الأخبار المتواترة على نفي الضرر والضرار ، كما ادعاه فخر المحققين في كتاب الرهن ( 3 ) على ما حكي عنه ( 4 ) . ففي ( 5 ) الصحيح : من أضر بشئ من طريق المسلمين فهو ضامن له ( 6 ) . وفي الصحيح الاخر : من أضر بطريق المسلمين شيئا فهو ضامن ( 7 ) . وفي الخبر : كل شئ يضر بطريق المسلمين فصاحبه ضامن لما يصيبه ( 8 ) . وفي رواية عقبة في باب الشفعة : لا ضرر ولا إضرار ( 9 ) في الأسلام ( 10 ) . وفي خبر هارون فيمن شرك في بعير اشتراه غيره بعشرة بدرهمين للرأس والجلد ، قال عليه السلام : إن أرادهما فليس له ذلك ، هذا الضرار ، وحقه الخمس ( 1 1 ) .
- العناوين الفقهية - الحسيني المراغي ج 1 ص 307 :
وفي حكاية سمرة بن جندب روايات كثيرة : منها : ما رواه ثقة الأسلام والشيخ في الكافي والتهذيب في الموثق لابن بكير ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن سمرة بن جندب كان له عذق في حائط لرجل من الأنصار ، وكان منزل الأنصاري بباب البستان ، وكان يمر به إلى نخلته ولا يستأذن ، فكلمه الأنصاري أن يستأذن إذا جاء ، فأبى سمرة ، فلما تأبى جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فشكا إليه فأخبره الخبر ، فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وخبر أبى ساومه حتى بلغ به من الثمن ما شاء الله ، فأبى أن يبيعه ، فقال : لك بها عذق لعذقك في الجنة ، فأبى أن يقبل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله للأنصاري : اذهب فاقلعها وارم بها إليه ، فإنه لا ضرر ولا ضرار ( 1 ) .
وقد روي في كتب الفروع للعلامة وغيره بلفظ ( لا ضرر ولا ضرار في الأسلام ) ( 2 ) .
إذا عرفت هذا فالبحث في امور : أحدها : قال في المجمع - بعد ذكر رواية الشفعة - يقال : ضره ضرارا ، وأضر به إضرارا ، الثلاثي متعد والرباعي متعد بالباء ، أي : لا يضر الرجل أخاه فينقصه شيئا من حقه . والضرار : فعال من الضر ، أي : لا يجازيه على إضراره بإدخال الضرر عليه . والضرر فعل الواحد ، والضرار فعل الاثنين ، والضرر ابتداء الفعل ، والضرار الجزاء عليه . وقيل : الضرر ما تضر به صاحبك وتنتفع أنت به ، والضرار بأن تضره من غير أن تنتفع أنت به . وقيل : هما بمعنى ، والتكرار للتأكيد . وفي بعض النسخ ( ولا إضرار ) ولعله غلط ( 3 ) .
* ( هامش ) *
( 1 ) الكافي 5 : 292 ، باب الضرار ، ح 2 . التهذب 7 : 146 باب بيع الماء و . . . ح 36 .
( 2 ) التذكرة 1 : 522 مسأله خيار الغبن : وقد رواه الشيخ أيضا معزياد 2 في الاسلام في الخلاف 3 : 440 ذيل المسألة 14 من كتاب الشفعة .
( 3 ) مجمع البحرين 3 : 373 .
ج1 ص 308 :
وفي القاموس : ضره وبه وأضره وضاره مضارة وضرارا ( 1 ) . وعن الصحاح : الضر خلاف النفع ، وضر وضار بمعنى ، والاسم الضرر ( 2 ) . وعن النهاية ( 3 ) تمام ما نقلناه عن المجمع . وقيل : الضرر الاسم ، والأضرار المصدر ، فالنفي لهما معا ( 4 ) .
وثانيها : أن الامور المتعلقة بالمكلف أشياء : منها : ما هو ماله من أعيان أو منافع . ومنها : ما هو حقه من استحقاق انتفاع أو فسخ أو إلزام أو مطالبة أو أخذ أو أولوية أو نحو ذلك . ومنها : ما هو من قبيل النفس والبدن . ومنها : ما هو من قبيل العرض . وعلى التقادير كلها : إما ذلك كله موجود بالفعل ، أو بالقوة ، بمعنى : أن من شأنها الحصول لو لم يكن هناك طرو مانع ، فهل يتحقق معنى الضرر في ذلك كله أو لا ؟ فنقول : لا ريب في صدق الضرر بالماليات ، فإن حدوث نقص مالي في العرف يعد ضررا لصاحبه ، وكون شخص سببا لذلك يعد إضرارا ، لكنه فيما كان بالفعل . وأما ما هو بالقوة - كثمرة البستان ونماء سائر الأملاك ومنافعها المتجددة على التدريج - فهو كذلك ، فإن طريان ما يوجب عدم حصول هذه المنافع مع كون الشأن حصولها عادة يعد ضررا ، والتسبيب له إضرارا . وأما الحقوق : فما لم يتحقق شئ من ذلك لا يعد حقا عرفا وشرعا ، ولا يعد منع شئ منها منعا للحق ولا إضرارا . وأما بعد تحققها فيعد ذلك إضرارا فيه . فلو
* ( هامش ) *
( 1 ) القاموس 2 : 75 .
( 2 ) الصحاح 2 : 719 .
( 3 ) النهاية 3 : 81 .
( 4 ) أورده المحقق القمي بلفظ ( الضرر هو الأسم والضرار المصدر . . . ) ولم يسم قائله أيضا ، انظر القوانين 2 : 53 .
ج1ص 309 :
سبق أحد - مثلا - إلى مكان مشترك فدفعه غيره فقد أضره في حقه . وأما مثل المشاهد والمشاعر التي قد ذكرنا في الموارد أن الممانعة فيها بإحياء أو إطالة أو نحو ذلك إضرار ، فلا يتوهم أنه حق لم يتعلق بعد فكيف يعد ذلك ضررا ؟ إذ الحق أن تعلق حق المسلمين - مثلا - بعرفة ومنى ومشاهد الزيارة ونحوها متحقق بالفعل ، فإن ذلك كله معدود من مصالحهم ، ولا يلزم حضورهم في ذلك الوقت ، فلو خربها شخص أو عمرها بما يمنع الغرض المقصود فقد غصب [ على ] ( 1 ) المسلمين حقوقهم وأضرهم . ونحو ذلك إجابة الخطبة والدخول في السوم ، فإن بمجرد المقاولة تعلق حق للسابق وإن لم يتحقق بعد [ فان ] ( 2 ) من دفعه عن ذلك فقد أضره .
وأما البدن : فلا ريب في كون ما يوجب منقصة في عينه ومنفعته أو هيئته المتعارفة ضررا وإضرارا ، سواء كان بجرح أو قطع أو إحداث مرض أو ازدياده أو بطؤ برئه ، وكذا ما يوجب حدوث ألم فيه مناف للطبيعة .
وأما العرض : فضابطه ما هو داخل في احترام المكلف ، ليكون هتكه موجبا لذلته وانكساره بين الناس ، فمن تعدى على زوجته أو تطلع على عورته أو دخل على عياله أو ما يتعلق به من المحارم والنساء أو اغتابه أو اتهمه أو طعن عليه في وجهه أو أظهر شيئا مما لا يرضى بظهوره ، فهو هتك للعرض ، إضرار في الحقيقة ، ومثل ذلك يعد ضررا .
- العناوين الفقهية - الحسيني المراغي ج 1 ص 309 :
ودعوى : انصراف ( الضرر ) إلى المال والبدن أو عدم شموله لمثل ذلك ، ممنوع ، بل الحق أن ذلك كله ضرر وإضرار ، ويجئ توضيحه ، ويدل عليه رواية سمرة - كما مرت - ( 3 ) . ومثل ذلك فعل شئ يوجب الاستخفاف والمهانة ولو بترك بعض التعارفات العادية التي ليس من شأنها أن يترك بالنسبة إليه ، فإن ذلك كله داخل في الأضرار بالعرض وإسقاط الاحترام .
* ( هامش ) *
( 1 ) و ( 2 ) لم يردا في ( م ) .
( 3 ) راجع ص : 307 .
ج1 ص310 :
وأنت - بعد التأمل فيما ذكرناه من الموارد - تعرف أن شيئا منها ليس بخارج عن هذه الأقسام التي ذكرناها تفصيلا .
وثالثها : أن بعد ملاحظة ما حررناه يظهر : أنه فرق واضح بين ( منع النفع ) و ( الضرر ) فإنهما متضادان لا متناقضان ، وليس كل ما ليس ينفع ضررا ، فقد يكون شئ ليس بنفع ولا ضرر . ففي الامور المذكورة لو لم يكن شئ منها بالفعل ولا بالقوة القريبة لكنه قابل للحصول لو منع عنه مانع فإنما هو مانع عن النفع لا ضار . مثلا : لو كان لشخص أرض يريد عمارتها وإحياءها فمنعه مانع عن ذلك لا يعد مثل ذلك ضررا في المال ، إذ لم يكن هناك مال حتى ينقص . نعم ، من جهة أنه منعه عما له التسلط عليه فهو مفوت حق تسلطه ، وهو كلام آخر . وأما لو كان له ملك معمور فمنعه مانع عن محافظته حتى خرب فهو ضار له في ماله . ولو كان لشخص متاع يريد أن يبيعه بأعلى قيمة فمنعه عن ذلك حتى نقصت القيمة لم يضره في المال ، فإن ماله موجود ، والنفع الحاصل من البيع لم يكن مالا حتى يلزم الضرر .
إذا عرفت هذا فاعلم : أن الضرر والأضرار والضرار كلها مشتركة في إفادة معنى نفي الضرر ولو كان في الأخيرين معنى زائد ننبه عليه ، فالروايات كلها دالة على نفي ما يعد ضررا في الأسلام ، وظاهر لفظ الرواية : نفي ماهية الضرر والضرار في الدين أصلا ورأسا ، لكون ( لا ) موضوعا لنفي الطبيعة ، والخبر هنا ( موجود ) كما في نظائره ، وحاصل المعنى بعد نفي ماهيتهما في الدين ينحل إلى : أن ما يسمى بهما في العرف ليس من الدين ، بل هو شئ غير موجود فيه وخارج عنه . فلو فرض حكم يتحقق فيه الضرر على أحد فينبغي بمقتضى الرواية القول بأن هذا ليس من دين الأسلام الذي شرعه الشارع ، وإلا لزم انخرام القضية الكلية ،
ج1 ص 311 :
ولازمه : أن التدين بهذا الدين يستلزم جريان الأحكام من الشارع وصدور الأفعال من المكلفين بحيث لا يتحقق فيه ما يعد ضررا . وما يقال : إن حمل الخبر على هذا المعنى موجب للكذب لوقوع الضرر والضرار ، مدفوع بأن هذا لازم لو لم يقيد بقيد ( في الأسلام ) إذ بدونه يكون المعنى : نفيهما في الخارج مع أنه واقع وهو مستلزم للكذب ، لكنه بعد التقييد يرجع النفي إلى أنهما منتفيان في الدين كالعسر والحرج ، ولا يلزم من ذلك كذب . لكن الأشكال وارد على ما ليس فيه قيد ( في الأسلام ) كما في بعض الأخبار ، بل أكثرها ، فلا بد : إما من تقييدها بذلك ، أو دعوى أن المعلوم من الخارج : أن الشارع يريد بيان صفات الأسلام وكيفية الدين ، فينزل كلامه على نفيهما فيه لا مطلقا .
والحق : أن سياق الروايات يرشد إلى إرادة النهي من ذلك ، وأن المراد : تحريم الضرر والضرار والمنع عنهما ، وذلك : إما بحمل ( لا ) على معنى النهي ، وإما بتقدير كلمة ( مشروع ) و ( مجوز ) و ( مباح ) ونحو ذلك في خبره مع بقائه على نفيه ، وعلى التقديرين يفيد المنع والتحريم .
وهذا هو الأنسب بملاحظة كون الشارع في مقام الحكم من حيث هو كذلك ، لا في مقام ما يوجد في الدين وما لا يوجد ، وإن كان كل من المعنيين مستلزما للاخر ، إذ عدم كونه من الدين أيضا معناه : منعه فيه ، ومنعه فيه مستلزم لخروجه عنه . مضافا إلى أن قولنا : ( الضرر والضرار غير موجود في الدين ) معنى يحتاج تنقيحه إلى تكلفات ، فإن الضرر مثلا نقص المال أو ما يوجب نقصه ، وذلك ليس من الدين بديهة ، إذ الدين عبارة عن الأحكام ، لا عن الموضوعات ، فيحتاج حينئذ إلى جعل المعنى : أن الحكم الذي فيه ضرر وإضرار ليس من الدين لا أنفسهما ( 1 )
* ( هامش ) * ( 1 ) في " ن " لا نفسهما .
ج1 ص 312 :
وهذا تأويل غير متبادر وإن بالغ فيه بعض المعاصرين ( 1 ) .
نعم ، هنا كلام وهو : أنه لو كان بمعنى المنع والتحريم اختص بإضرار المكلفين لأنفسهم أو لغيرهم ، ولا يشمل ما كان ضررا من الله تبارك وتعالى ، مع أن الفقهاء - كما عرفت في الموارد - نفوا كثيرا من التكاليف إذا كان موجبا لضرر في نفس أو مال ، ولا وجه لكون ذلك حراما على الله تعالى . ولو قلنا : إن المراد : عدم وجوده في الدين لتم الاستدلال في ذلك أيضا . قلت : الظاهر من سياق الخبر : أن عدم تجويز ذلك ليس محض التعبد الشرعي ، بل إنما هو شئ يمنع منه العقل أيضا ، ومناف للحكمة كذلك ، فكما هو قبيح غير مجوز بالنسبة إلى المكلفين ، فكذا الحكيم على الأطلاق ، فإنه أيضا لا
- العناوين الفقهية - الحسيني المراغي ج 1 ص 312 :
يصدر منه مثل ذلك ، فيصير المعنى : أن الضرر والضرار غير مجوز ، بل هو قبيح ، ويكون القضية مسوقة مساق قاعدة عقلية . ومن هنا يتجه أن نستدل على هذه القاعدة - مضافا إلى النصوص - بدلالة العقل أيضا ، فإن الضرر ( 2 ) والأضرار مناف للطف والعدل على ما يفهم من معناهما ، ومثل ذلك غير مجوز عقلا أيضا ، بتقريب ما أسلفناه في مسألة العسر والحرج . ويرد في هذا الباب الأشكال السابق في العسر والحرج : من أن الظاهر من النصوص عدم ورود ضرر في الأسلام ، مع أنا نرى وجوب الجهاد والزكاة والخمس وغير ذلك من التكاليف الموجبة لنقص المال والعرض وتلف النفوس ونحو ذلك ، فلا وجه لنفي الضرر مطلقا . ومن أنا نرى في النصوص استدل على نفي الجزئيات بحديث ( لا ضرار ) مع وجود ما هو أعظم من ذلك في الشرع .
* ( هامش ) *
( 1 ) المحقق النراقي - ظاهرا - انظر عوائد الأيام : 18 - 19 ، البحث الثالث .
( 2 ) في ( ن ) : الضرار .
ج1ص 313 :
قال الفاضل القمي : معناه : أنه تعالى لا يرضى بإضرار بعض عباده بعضا ، ولا يفعل ما يضر العباد به ، ويجوز لمن يتضرر دفع الضرر عن نفسه ، فالمراد بنفي الضرر : نفي ما هو زائد على ما هو لازم لطبائع التكليفات الثابتة بالنسبة إلى طاقة أوساط الناس البريئين عن المرض والعذر الذي هو معيار مطلق التكاليف ، بل هي منتفية من الأصل ، إلا فيما ثبت وبقدر ما سبق ، ولا يريد الله الضرر إلا من جهة التكاليف الثابتة بحسب أحوال متعارف الأوساط ( 1 ) .
ويرد على ظاهر كلامه - كما مر في مسألة العسر - : أن قاعدة الضرر لا تعارض دليلا ، إذ يكون على كلامه مقيدا بالضرر الذي لم يثبت من الشرع ، فكلما دل عليه دليل في الجملة فلا ينفيه قاعدة الضرر ، مع أن الفقهاء كثيرا ما ينفون ما عليه دليل - من عموم ونحوه - بقاعدة الضرر ، لكن الظاهر أن مراده رحمه الله ليس ذلك ، بل الظاهر أن غرضه : أن الضرر منفي ، وهو أيضا كأحد العمومات ، فما دل على خلافه لا بد فيه من ملاحظة التراجيح وقواعد الألفاظ ، ونحو ذلك من قواعد التعارض . ثم بعد ملاحظة الدليل وقوته لو ثبت شئ يوجبه فلا مانع منه ، لا أن قاعدة الضرر مقيد بعدم دليل مطلقا ، كأصل البراءة ونحوه .
ثم لا يخفى : أن مجرد النقص في المال والبدن ونحوه لا يعد ضررا مطلقا ، بل إذا لم يكن بإزائه ما يجبره ويدفعه . فإن إعطاء شخص من ماله عشرة دراهم لشخص لأجل تحصيل خمسة عشر أو عشرة مع تعلق غرض بذلك لا يعد ضررا ، وكذلك الفصد والحجامة وقلع الضرس ونحو ذلك لدفع ما هو أشد من ذلك لا يعد ضررا ، ولا يعد شئ من ذلك لو صدر من شخص آخر بالنسبة إلى شخص إضرارا ، بل لو كان في مقابله ما يساويه فليس بنفع ولا ضرر ، ولو كان ما هو أهم منه وأعلى فهو يعد نفعا . فقد يقابل ضرر مالي بنفع بدني أو ديني أو عرضي وبالعكس ، وقد
* ( هامش ) *
( 1 ) هذا مضمون ما قاله المحقق القمي قدس سره ، لا نص عبارته ، انظر القوانين 2 : 50 .
ج1ص 314 :
يقابل كل بمثله . وبالجملة : ماله جابر مقصود للعقلاء في امور معاشهم ومعادهم لا يعد ضررا وإن كان نقصا في أحد المذكورات . فعلى هذا : ما ورد في الشرع من التكاليف بعد وجود النفع الاخروي في الجميع بل النفع الدنيوي من دفع بلية وحفظ مال وزيادة نعمة - كما هو مقتضى الايات والأخبار في الزكاة والصدقة ونظائر ذلك - لا يعد ضررا حقيقة ، وذلك واضح ، بل هذا في الحقيقة نفع ، لأن ما يصل إلى المكلف بذلك من الخير أضعاف ما أصابه من النقص ظاهرا . وما ورد من مثل القصاص ونحوه ، فإنما هو جبر لما وقع من الضرر ، وكذلك الدية ونحوه على ما قرره الشارع الحكيم . وكل ما فيه تحمل لمنقصة فمقابل بمثوبة لا يخفى على من اعتقد بوعد الحق الغير المكذوب . فلا ينتقض بورود ما هو ضرر في الشريعة . ولا يلزم من ذلك عدم إمكان معارضة دليل بقاعدة الضرر ، لأنه كاشف عن نفع دنيوي أو اخروي ، فلا وجه لنفيه بقاعدة الضرر ، إذ الأصل عدم تحقق ذلك ، والمفروض أن كونه ضررا في الظاهر مقطوع ومقابلته بالنفع محتمل ، فما لم يقم دليل قوي محكم دال على ثبوته حتى يعلم كونه في الواقع مقابلا لنفع ، فينفيه قاعدة الضرر . فإذا تعارض - مثلا - دليل دال على ثبوت ضرر مع دليل نفيه بالعموم من وجه ، فلا يعلم من ذلك تخصيص أحد الدليلين بالاخر حتى يعلم أنه ليس من الضرر ، فلا بد من دليل راجح مخصص لذلك حتى نعرف أنه خارج عن هذا الموضوع ، فتدبر جدا .
وتوضيحه : أن الدليل المثبت على قسمين : قسم هو دال على نفس الضرر - كالزكاة والحج ونحوهما - ولا ريب أن بعد دلالة الدليل على ذلك نعرف أنه ليس بضرر .
ج1 ص 315 :
وقسم ليس كذلك ، فإن عموم دليل الحج والتوضؤ يشمل ما لو كان فيه ضرر بدني ( 1 ) ونحو ذلك ، ولا يمكن أن يقال : إنه ليس بضرر ، إذ ما ثبت من الدليل العوض على الوضوء والحج ، لا على المضار الاخر الموجود في ضمنهما ، و وجود
- العناوين الفقهية - الحسيني المراغي ج 1 ص 315 :
المقابل للطبيعة لا يرفع الضرر في اللواحق . وقس على ذلك ما يرد عليك من نظائر ما دفعناه بقاعدة الضرر .
فتلخص من ذلك : أن هذه القاعدة أيضا كقاعدة العسر والحرج مما لا يقبل التخصيص ، وكل ما هو ظاهر في خلافه - بمعنى : أنه يتخيل كونه ضررا - فهو من باب التخصص والاختصاص والخروج عن الموضوع . والعجب من صاحب العوائد ! أنه اعترف هنا بذلك حيث جعل الأجر الاخروي رافعا للضرر ، وذهب في مسألة العسر والحرج إلى وجود التخصيص وكونه كسائر العمومات ( 2 ) لما ورد عليه من الأشكال الذي مضى في بحثه ، وعلى ما قررناه فهما من باب واحد .
وأما توهم : أنه من باب الاصول التعليقية التي لا تعارض دليلا بل كلما هو حجة تقدم على هذه القاعدة فهو تفريط بين مناف لظواهر النصوص ، بل صريحها ، ومناف لما هو المقطوع من ( 3 ) الأصحاب من نفي الأدلة بالقاعدة .
و محصل البحث : أن كل ما يعد ضررا في العرف في مال - عينا أو منفعة - أو حق أو بدن أو عرض غير جائز أو غير واقع في الدين ، ولا فرق في ذلك بين نفس المالك وذي الحق وغيره ، فكما لا يجوز إضرار غيره لا يجوز إضرار نفسه أيضا في شئ من ذلك . وهل هو من الامور الاختيارية القابلة للأسقاط ؟ بمعنى : أن الشارع منعه
* ( هامش ) *
( 1 ) في ( ن ) : زيادة : مثلا .
( 2 ) انظر العوائد : 23 ، العائدة : 4 ، وص : 63 ، العائدة : 19 .
( 3 ) في ( ن ) : بين الأصحاب .
ج1 ص 316 :
لاحترام ذي الحق ، فإذا رخصه في ذلك فلا بأس ، أم لا ، بل هو حكم منجز من الشارع لا ينفع فيه الرضا ؟ مقتضى ما ذكرناه من عدم جواز إضرار الرجل لنفسه أيضا الثاني ، لأنه إذا لم يجز له أن يضر ( 1 ) نفسه فليس له أن يرخص غيره أيضا في ذلك ، فإذا لم يكن له ذلك لم يكن برخصته اعتبار ، والرخص لا تناط بالمعاصي . ولا فرق أيضا في عدم الجواز بين الضرر الكثير واليسير بعد صدق اسم الضرر ، لدخولهما تحت العموم ، إذ هما ( 2 ) نكرتان واقعتان في حيز النفي ، فيفيدان العموم في عدم الجواز أو في عدم الوجود - على الاحتمالين في معنى الحديث - . وأما ما لا يعد ضررا عرفا ، كما كان نقصا في شئ من الامور المذكورة بمقدار لا يعتد به ، كحبة من صبرة وسنبلة من مزرعة ، أو تعب قليل في البدن ، أو ما كان بإزائه نفع ( 3 ) يقوم مقامه ، أو يزيد عليه ، كالضيافة أو بعض التحف والهدايا والحجامة والفصد - ونظائر ذلك مما له داع يعتد به - فذلك جائز غير منفي ولا منهي في نفس المكلف وفي غيره ، للأصل من دون دليل على خلافه . وهذا البحث كله في ( 4 ) مدلول اللفظ وتحرير القاعدة بحسب ما يستفاد من العبارة .
والمهم النظر في فقه القاعدة ، بمعنى : أن ما أثبت بها الفقهاء في الموارد التي عرفتها من أحكام مخالفة للضوابط بمعونة هذه القاعدة من الأحكام الوضعية ، هل هي مما يستفاد من الرواية أو لا ؟ وهذا الذي ينبغي البحث فيه للفقيه .
فنقول : إن هنا مقامات :
المقام الأول : في أن بعد ثبوت نفي الضرر أو النهي عنه لو ثبت ضرر وحصل من بعض المكلفين لبعض في عقد أو إيقاع أو غصب أو تصرف أو تدليس أو نحو
* ( هامش ) *
( 1 ) في ( ن ) : أن يضرر .
( 2 ) أي : الضرر والضرار .
( 3 ) في غير ( م ) : بإزائه مقابله من نفع .
( 4 ) في غير ( م ) : هذا كله بحث إلى . ج1 ص 317 :
ذلك فما المناص عن ذلك ؟ وما الذي يستفاد من الشرع في رفعه كلية أو بحسب المقامات ؟ وهذا الذي ينفعنا في الفروع ، و إلا فمجرد الحكم التكليفي لا ينبغي أن يبحث عنه ، وهذا مما قد خفي على جماعة من فحول المتأخرين ، لانقطاعهم عن مشرب أساطين الأصحاب بما استحسنوه وتخيلوه من الطريقة في الباب .
قال الفاضل المعاصر في عوائده : نفي الضرر والضرار إنما يصلح دليلا لنفي الحكم إذا كان موجبا للضرر ، وأما إثبات حكم وتعيينه فلا ، بل التعيين محتاج إلى دليل آخر ، ومن هذا يظهر فساد ما ارتكبه بعضهم من الحكم بضمان الضار والمتلف بحديث نفي الضرر ، فإن عدم كون ما ارتكبه شرعيا لا يدل على الضمان ولا على الجبران مطلقا ، كما قيل . نعم ، لو قيل : إن معنى الخبر : ( لا ضرر بلا جبران ) دل على تحقق الجبران ، وهو أيضا لا يثبت ضمان الضار ، لأمكان الجبران من بيت المال أو في الاخرة أو في الدنيا من جانب الله سبحانه بأن يفعل ما ينتفع من استضر به بقدر ما استضر أو أزيد . نعم ، إذا كان حكم بحيث يكون لولاه لحصل الضرر - أي كان عدمه موجبا للضرر مطلقا - وانحصر انتفاء الضرر بثبوت الحكم الفلاني ، يحكم بثبوته بدليل نفي الضرر ، ولكن الثبوت حينئذ ليس بنفي الضرر خاصة ، بل به وبالانحصار بذلك.
وهذا الكلام من ذلك العلام من الغرابة بمقام ! ولعله مبني على عدم التأمل التام . وإذا أردت التحقيق فاستمع لما يتلى عليك [ مما ينجلي في النظر ، مع قصوره وتقصيره ، فنقول : ]. ما يقابله ، فإذا حصل لا يعد ضررا .
- العناوين الفقهية - الحسيني المراغي ج 1 ص 318 :
لا يقال : إن النقص في المال أو في الحق أو البدن إذا حصل صدق الضرر ، وحصول المقابل بعد ذلك لا يرفعه . لأنا نقول : بعد ما كان صدقه منوطا بعدم المقابل يبقى مراعى ، فإن علم بعد ذلك وجود ما يقابله ويسد مسده كشف عن أنه لا ضرر من أصله .
وغاية ما يمكن أن يقال : إنه كان ضررا واندفع ، وهذا لا بأس به ، إذ لا يفترق الحال بين ارتفاعه أو عدم صدقه من أصله ، فكلما وقع من قبل الله أو نفس المكلف أو من أجنبي ما يعد ضررا ظاهرا ، فمقتضى النفي أو النهي أن يكون له في الواقع ما يرفع ضرريته ويسلب هذا الاسم عنه ، بمعنى الكشف - كما هو الأقوى في النظر - أو النقل - كما قد يقال أيضا - إذ لو لم يكن له ما يوجب رفعه لزم من ذلك وقوعه وجوازه ، والفرض انتفاؤه . وإذا ثبت لزوم الرفع ، فينبغي الكلام في تشخيص الرافع له ، فنقول : هو ( 1 ) من نشأ منه الضرر ، لا غيره ، ولنا على ذلك وجوه :
أحدها : حكم العقل بذلك ، إذ بعد ما علمنا أن هذا شئ قبيح ، فمتى ما صدر من شخص وكان قابلا لرفع قبحه ولم ينجز بالفعل ، يحكم العقل القاطع بلزوم رفع هذا العمل القبيح على فاعله ، وليس حقيقة قبيحا قبل الدفع ( 2 ) - على ما أراه من الكشف - بل المراد : أنه لو لم يرفع ذلك وأبقاه على هذا الوضع لعد هذا قبيحا . فلو كان هذه المنقصة في مال أو بدن من الله تبارك وتعالى ، فمقتضى الحكمة أن يرفعه بما يوجب سد محله وسلب اسمه ، بل اللائق عليه أن يزيد من فضله ، كما أخبر به في كتابه : ومن أوفى بعهده من الله ( 3 ) . ولو كان نفس المكلف ، فلا مدفع له ، إذ كل ما حصل المكلف من النفع لا يقابل
* ( هامش ) *
( 1 ) العبارة في غير ( م ) هكذا : فإذا ثبت لزوم ما يرفع ذلك ، فنقول : لا بد من تعيين من يجب عليه الرفع ، فنقول : لا بد أن يكون الرافع من نشأ . . . .
( 2 ) كذا في النسخ ، والصواب : الرفع .
( 3 ) التوبة : 111 .
ج1 صفحة 319 :
ما أضر به نفسه ، لأن النفع الحاصل عوض ما أتعب به نفسه في تحصيله أو كان يستحقه ، ولو لم يكن قد أضر بنفسه فلا يكون عوضا للمضرة ، فتدبر ، فإنه لا يخلو من دقة . ولو كان من أجنبي لزمه الرفع أيضا ، كما في الحق تعالى .
وثانيها : أن النصوص بناءا على كونها بمعنى النهي - كما هو الظاهر - قضت بأنه يحرم الأضرار ، والمفروض أن ما صدر من المنقصة لا يعد إضرارا بنفسه ، إذ لو عاد كما كان ابتداءا لا يصدق عليه أنه ضرر ، فعلم أن ذلك من جهة بقائه على تلك الحالة ، وهو في قدرة من نشأ منه ذلك ، ومقتضى النواهي تحريم إبقائه على ذلك الوضع ، لأنه الأضرار ، ولازمه وجوب رفع هذا الضرر على المضر بنفسه ما لم يسده شخص آخر تبرعا - مثلا - .
فإن قلت : لازم كلامك : أنه لو خرب واحد بيت آخر ثم بناه جديدا مثل الأول لا يعد هذا إضرارا .
قلت : إن عنيت بالنسبة إلى العين فهو كذلك ، بل هو نفع ، إذ الجديد المماثل من سائر الجهات أولى من العتيق ، وإن عنيت بالنظر إلى امور اخر فلا ، إذ المنفعة الفائتة في الان المتخلل فائتة لا تستدرك . وبالجملة : لا يخفى على أهل النظر أن إعادة المنقصة على نحو لا يفوت على صاحب الحق منه شئ رافع للضرر ، بل لا يعد هذا ضررا أصلا حتى يرتفع ، وما ترى من إطلاقه في ذلك إنما هو باعتبار فوات بعض الأوصاف والخصوصيات التي لا تستدرك .
فإن قلت : فرفع الضرر غير ممكن ، إذ إعادة المعدوم في آنه ممتنعة ، وفوات منفعة أو خصوصية لا بد منه ، فلا وجه للخطاب بالرفع بعد الوقوع وكونه مسمى بالضرر ، عالجه أم لا .
قلت : الضرر شئ يصدق على القليل والكثير ، وكما يختلف بالجنس والنوع
ج1 ص 320 :
فكذا يختلف بالكم والكيف ، والنهي شامل للجميع . فأنت إذا قدرت على دفع ضرر العين وجب عليك ، ولا يسقط بتعذر دفع ضرر الوصف أو المنفعة ، فلا تذهل . [ فإني غير متمكن من بسط المقال لمكان الاستعجال]( 1 )
وثالثها : أن المتبادر من هذه النصوص - سواء جعلناها نفيا أو نهيا - لزوم رفع الضرر على من أضر ، فإنا نرى أن الموالي إذا خاطبوا عبيدهم أو الحكام إذا كتبوا على منصوبهم ورعيتهم مثل هذه العبارة لا يفهمون منه إلا لزوم رفعه على من صار سببا له ، وهذا هو المنشأ أيضا في حكم الأصحاب بذلك في الموارد المذكورة . مع أن في جميع تلك الموارد يمكن أن يقال لهم : إن نفي الضرر لا يدل إلا على عدم هذا الحكم ، وأما إثبات ما تجعلونه حكما في المقامات فلا دلالة فيه ، بل فهم الأصحاب حقيقة قرينة اخرى على هذا المعنى لو لم يتم دعوى التبادر ، فكيف مع ثبوته ! كما لا يخفى على من لاحظ العرف وطريقة أصحاب الرئاسة والسياسة .
- العناوين الفقهية - الحسيني المراغي ج 1 ص 320 :
ورابعها : دلالة صحيحة الكناني الحاكمة بضمان من أضر بشئ من طريق المسلمين ، ونحو ذلك رواية الحلبي ، وقد تقدمتا ( 2 ) فإن صريحهما وقوع الضمان - الذي هو الجابر - على المضر . وأما البحث في شمولهما لما هو في رتبة التسبيب أو المباشرة خاصة فذلك كلام آخر . وكذا في رواية سمرة ( 3 ) ، فإنه دفع ضرر عرض الأنصاري بقلع نخلة سمرة . وفي هذه النصوص دلالة على أن هذا الضمان والضرر الواقع ( 4 ) ثانيا من جهة كون الأضرار منه أولا ، فيعم جميع الموارد . وخامسها : أن ما هو ضرر ، إما أن يقع من الحق الواجب - تبارك وتعالى - من
* ( هامش ) *
( 1 ) ما بين المعقوفتين لا يوجد في ( م ) .
( 2 ) تقدمتا في ص : 301 .
( 3 ) تقدمت في ص : 302 .
( 4 ) في ( ن ، ف ) زيادة : مثلا .
ج1 ص 321 :
تكليف ونحوه ، فلا ريب أنه لا يرتفع إلا منه تعالى أيضا بإعطاء نعمة أو دفع نقمة دنيويتين أو اخرويتين ، وهذا مما لا ثمرة فيه مع وضوح حكمه . وإن كان من نفس المكلف فلا جابر ولا رافع له أيضا ، لأنه كلما يحدث ما يجبره فهو مما كان يستحقه بعمله ، فيكون شيئا آخر لا جابرا للأول . وإن كان من غيره من غير النوع الأنساني فهو من الافة السماوية المحسوبة على الله - تبارك وتعالى - كما جرت عادته بالابتلاء بالبليات بتلف المال وغيره بآفات جرى بها قضاؤه الذي لا راد له . وإن كان من أفراد النوع الأنساني فلا يخلو الرافع لهذا الضرر من امور : إما أن يكون نفس المكلف ، أو الحق تبارك وتعالى ، أو بيت المال ، أو نفس من أوجب الضرر ، أو غيره من آحاد المكلفين .
أما الأول ، فقد عرفت أنه لا يمكن كونه رافعا لضرر نفسه فضلا عن ضرر غيره . وأما الواجب تعالى ، فلا ريب أن دفعه هذا الضرر بأمر ديني أو دنيوي أو اخروي مشكوك لا نعرفه إلا بدليل واضح ، والمفروض أنه لا بد من ارتفاع هذا الضرر بمقتضى الأدلة ، ورفعه يحتاج إلى أمر قطعي ، ومجرد الاحتمال غير كاف فيه ، كما قررناه في نفس التكاليف ، فإنه لو شككنا في ثبوت تكليف من الله تعالى ندفعه بنفي الضرر ، ولا نكتفي بمجرد احتمال كونه مدفوعا باجرة ومثوبة من الله تعالى حتى يثبت حجة لذلك ، فندفعه بالقاعدة ، وهنا أولى بذلك ، إذ مجرد احتمال اندفاع ما أوصله زيد لعمرو من الضرر بنعمة من الله تبارك وتعالى لا يكفينا في الحكم الشرعي ، بل لا بد من طريق مثبت يسكن النفس إليه ويستقر القاعدة به . وأما مثل قولهم : ( لكل كبد حراء أجر ) ( 1 ) لا دلالة فيه على ذلك ، على أن ( 2 )
* ( هامش ) *
( 1 ) رواه في البحار ( 74 : 370 ) مرسلا عن النبي صلى الله عليه واله وسلم .
( 2 ) في ن ، ف لادلالة فيه بدلك وثانيا . .
ج1 ص 322 :
حرارة الكبد غير ضرر المال والبدن ، وانجبار ضرر حرارة الكبد والألم الواصل للمكلف بمجرد التضرر لا يرفع ضرر المال ، ونظائر ذلك مما دل على الأجر للصابرين في البلايا كثيرة ، لكنها كلها دالة على وصول الثواب للألم القلبي . وأما تلف المال فهو ضرر آخر ، فتدبر . وأما غير المضر - من سائر المكلفين - لو بنينا على اندفاع الضرر منه لزم حدوث الضرر من وجه آخر ، إذ جبر هذا الضرر لا يصير إلا بتلف مال أو نحوه من الجابر ، فهو ضرر محتاج إلى جابر آخر ، فيلزم التسلسل من ذلك أو الدور ، وهو مما لا ينفع في ارتفاع الضرر ، فتدبر ، فإنه تحقيق واف بالمرام . وأما بيت المال ، فإن كان بيت مال الأمام فيلزم منه الضرر على الأمام ، وهو من جملة المكلفين وسيدهم ، ولزوم الضرر عليه من أفحش أفراد الضرر . وإن كان بيت مال المسلمين ، فهو ضرر على المسلمين كافة ، ولا يرضى به القاصر ، فضلا عن الفقيه الماهر ! فانحصر الطريق في رفع هذا الضرر إلى نفس من أحدثه لا غيره ، وهو المدعى . وليس هذا إثبات الانحصار من دليل خارج ، كما تخيله الفاضل المعاصر ( 1 ) ، بل إنما هو فهم للمدعى من نفس أدلة نفي الضرر لمن رزقه الله الفهم المستقيم وأرشده إلى النهج القويم .
ففتوى الأصحاب بضمان الضار والمتلف وغير ذلك في جميع موارد الضرر أو أكثرها - كما عرفت - موافق لنفس قاعدة الضرر كما أوضحنا لك . وهذا هو مقتضى فهم فقه القاعدة لمن كان من أهلها ، ومجرد التخيلات الناشئة عن عدم التدبر في أطراف الكلام لا ينبغي أن يصغى إليها في المقام .
المقام الثاني : أنه بعد ما وجب رفع الضرر على نفس المضر بمعنى : لزوم ارتفاعه بشئ يرجع إليه - إذ بعد التقابل والتساقط لا يعد هذا ضررا على شئ
* ( هامش ) *
( 1 ) انظر عوائد الأيام : 20 ، العائدة : 4 ، البحث السادس .
ج1 ص 323 :
منهما كما لا يخفى على المتأمل ، إذ من سرق أو غصب أو أتلف عشرة دراهم من مال شخص ثم دفع عوضه من ماله لا يعد هذا ضررا بالنسبة إلى الدافع ، ويرتفع به ضرر المتضرر أولا - يقع البحث في أنه لو كان لدفع الضرر طرق متعددة . وأنت إذا راجعت ما أحصينا لك من موارد القاعدة تجد أن طائفة كثيرة من
- العناوين الفقهية - الحسيني المراغي ج 1 ص 323 :
الأحكام منعنا ثبوتها في الشرع ، لاستلزامها الضرر ، وهو منفي ، وهذا مما لا كلام فيه . وطائفة اخرى بعد ثبوت ما هو ضرر - مثلا - من آحاد المكلفين في الموضوعات حكمنا بلزوم رفع الضرر حتى يرتفع ، لظاهر القاعدة .
وهذا القسم له أقسام : قسم ينحصر طريقه في واحد ، بمعنى : أنه لا يمكن ارتفاع هذا الضرر إلا بهذا الطريق كفسخ نكاح العنين ، فإن الضرر الوارد على الزوجة من الحرمان عن لذة الوقاع ومصادمة مقتضى الطبيعة وانقطاع النسل والأولاد لا يندفع إلا برفع يد الزوج عنها ( 1 ) . ونظائر ذلك أيضا في الفروع السابقة كثيرة ، فراجع . وقسم لا ينحصر طريقه في واحد ، لكن الشارع عين له طريقا ، كما في ضمان الجراحات بالدية ، وضمان العيب بالأرش ، والمال بالمثل والقيمة - لو قلنا باستفادته من دليل الضمان ، كما يأتي في محله - وإلا فهو داخل في القسم الأول ، لانحصار الطريق عرفا فيهما ، وهذا أيضا لا إشكال فيه ، إذ بعد تعيين الشارع كيفية رفع الضرر فلا بحث لنا في ذلك . ولو أردنا الكلام في أسرار ما اختاره الشارع ودقائقه - فمع أنه خارج عن وظيفة الفقه من حيث هو كذلك - يحتاج إلى بسط لا مجال لنا فيه . وقسم لم يعين من الشارع طريق فيه ، ولكن الفقهاء حكموا فيه بالطريق ، ولا
* ( هامش ) *
( 1 ) في غير ( م ) : لا يندفع إلا برفع الزوج يده عنه ، كما أغره وأضره . دليل لهم غير القاعدة ، ومن هذا القبيل أغلب الخيارات في الماليات والأنكحة
ج1 ص 324 :
وغيرها ، كما عددنا لك مواردها . ولم يقم دليل خاص على تعين اندفاع الضرر بالخيار إلا في غبن بيع التلقي والعيب - في وجه ضعيف - وبعض عيوب النكاح ، مع أن الفقهاء - كما ذكرنا لك الموارد - عينوا في كل مقام اندفاعه بالخيار ، فإن ارتفاع ضرر الغبن والتصرية ونحو ذلك كما يمكن بالخيار يمكن ببذل ما به التفاوت من خارج ، أو بإرجاعه من الثمن ، فلا وجه لتعين الخيار ، مع أن أغلب الخيارات الماضية - بل كلها - يمكن أن يجعل لها ما يقوم مقامها في رفع الضررية .
فنقول : لو كان حكمهم بالخيار في هذه المقامات من دليل خارج - من إجماع أو عمل برواية واردة في بعض الأفراد وإلحاق غيره به بإلغاء الفارق وتنقيح المناط أو اتحاد الطريق - فلا بحث ، لكن الظاهر أنهم يثبتون هذا من نفس قاعدة الضرر ، لا مع انضمام أمر خارج .
والذي أراه : أنهم يلاحظون اندفاع الضرر الواقع مهما أمكن بحيث لا يلزم منه ضرر آخر في مال أو غيره ، إذ لو لزم ذلك لم ينفع ذلك في رفع الضرر ، لثبوته من وجه آخر ، ويلاحظون إمضاء ما وقع في الجملة مهما أمكن ولا يبادرون إلى الأبطال . فلو فرض الغبن - مثلا - فيمكن الاندفاع بالانفساخ القهري ، لكنه مناف لبقاء العقد ، ولا داعي إلى رفعه بالمرة . ويمكن ارتفاعه ببذل مقدار الغبن من المال أو من الثمن - مثلا - خاصة ، لكنه ضرر وارد على الغابن من جهة أنه غاية ما أضر المالك بأنه أخذ ماله بما هو أقل من قيمته كثيرا حتى ينتفع به ، ويمكن رفع ذلك بأن المالك يسترجع ماله ، فدفع المال الاخر لا داعي له ، لأنه أيضا ضرر جديد لا علة له ، وإرجاع شئ من الثمن مناف لما وقع من المعاوضة الصحيحة . فإذا دار الأمر بين التزام دفع مال أو إبطال معاوضة أو ارتكاب ما ينافي مقتضاها من الملك أو رفع حكم من أحكام العقد ، فلا ريب أن الأخير أولى وأقدم ، لان ما عداه أشد بالنسبة إليه ، والضرورة تتقدر بقدرها ، والضرر إذا اندفع بمجرد
ج1 ص 325 :
التخير ( 1 ) من دون إبطال ولا ارتكاب مناف من خارج فيتعين ، مضافا إلى أنا ندعي أن نفس قاعدة الضرر تدل على لزوم رفعه على المضر ، وينصرف إلى ما هو المتعارف في رفع مثل هذا الضرر عند المسلمين . ولا ريب أن العقد أو الأيقاع من العهود التي يعهدها الأنسان لنفسه بنفسه ، وطريقة الناس : أنه إذا صار بين اثنين منهم معاهدة في أي شئ كان ، فإذا تضرر أحدهما وكان الاخر حكيما عادلا يقول : يا أخي هذا ليس بلازم أنا ما اريد الضرر عليك إن شئت فافعل وإن شئت فلا تفعل ، لا أنه أدفع عوض هذا لك من خارج - مع أنه منة على الاخذ أيضا ، فيكون ضررا آخر - ولا أنه يبطل يقينا ، إذ لا داعي إليه ، وبعد هذا الانصراف فلا يرد عليهم في ذلك بحث ونقض .
المقام الثالث : إذا دار الأمر بين ضررين : أحدهما أخف وأقل من الاخر كما أو كيفا ، فاللازم ارتكاب الأخف ، لنفس قاعدة الضرر والضرار . وقال الفاضل المعاصر في طي كلام له : وما قيل بتعيين أخف الضررين تمسكا بقاعدة الضرر ، ساقط ، لعدم الدلالة والمشاركة في النفي ( 2 ) [ انتهى ] ( 3 ) .
ولكنه ينبغي أن يقال : إن الضرر من الألفاظ التي يطلق على القليل والكثير ، بمعنى : أن الضرر العظيم يطلق على كل حصة موجودة في ضمنه أنه ضرر ، فما دل على نفي الضرر كما ينفي الأفراد المتباينة المتمايزة ، فكذلك الأفراد المتداخلة ، ولنمثل لك مثالا حتى يتضح الأمر بعون الله سبحانه .
- العناوين الفقهية - الحسيني المراغي ج 1 ص 325 :
فنقول : إذا قال الشارع : ( إن الخمر حرام ) والفرض أن القطرة خمر والمن منه خمر والقربة منه خمر ، ومقتضى صدق الاسم على كل من الأبعاض حرمة كل جزء بالذات ، لا باعتبار وجودها في ضمن الكل ، لتساوي الكل والجزء في صدق الطبيعة المرادة من اللفظ المتواطئ فعلى هذا لو وضع مقدار من الخمر في ظرف
* ( هامش ) *
( 1 ) في ( ن ) : التخيير .
( 2) عوائد الأيام : 21 ، العائدة : 4 ، البحث السابع .
( 3 ) الزيادة من ( م ) .
ج1ص 326 :
وضعفه في آخر فهذان فردان من الخمر ، لكنهما متضمنان لأفراد متداخلة ، بمعنى : أن كلا منهما لو وزع على أجزاء صغار توزيعا غير سالب للاسم لكان كل منها خمرا يصدق عليه اللفظ ويلحقه الحرمة ، فإذا دار الأمر بين ارتكاب الأقل والأكثر واضطر المكلف إلى أحدهما لا بعينه فلا نشك في لزوم تعيين الأقل ، وليس هذا من إجماع قائم عليه بالخصوص ولا نص دال على الفرض كذلك ، بل إنما هو من نفس دليل التحريم المستلزم لارتكاب الأقل ، وليس لأحد أن يقول : كلاهما خمران والتحريم مشترك .
وهذا الذي ذكرناه وإن كان يتخيل له ( 1 ) مناقشات ، لكنها بعد النظر الدقيق والفحص الحقيق مندفعة . ففيما نحن فيه نقول : متى ما جاز ارتكاب الضرر لعذر - مثلا - ودار الأمر بين الأقل والأكثر ، فما الذي أباح لك المقدار الذي هو التفاوت إذ لا داعي إلى ذلك ولا ضرورة ؟ ولعله توهم أن إتلاف فرس وحمار كل منهما محرمان منفيان ، وهما شيئان متمايزان ، وكون أحدهما زائدا في المقدار لا يوجب أولوية دخوله في النفي ، بل كل منهما منفي ، ومتى ما جاز فأحدهما لا بعينه جائز ، والترجيح بكون الفرس زائدا لا دخل له .
وتنقيح دفعه ( 2 ) : أن الكلام ليس في الأموال وما في حكمها بعناوينها وبأساميها حتى يتساوى الصدق على الكل . وفرق بين قول القائل : ( لا تتلف لزيد حيوانا ولا بساطا ) وبين قوله : ( لا تضرره ) ( 3 ) إذ على الأول لو اضطررنا إلى واحد من الفرس والحمار أو إلى إحراق بساط كبير أو صغير لا نفرق بين المقامين بمحض هذا النهي ، نظرا إلى تساويهما في المنع ولو لم يكن دليل
* ( هامش ) *
( 1 ) في ( م ) : فيه .
( 2 ) في ( م ) ويتضح رفعه .
( 3 ) في ( ن ) : لا تضره .
ج1 ص 327 :
خارجي لم يكن فرق بين إتلاف الأكثر والأقل ، إذ في ما جعل عنوانا للحكم - كلفظ الحيوان أو البساط - كلاهما متساويان . وأما لو قال : ( لا تضرره ) فليس كذلك ، لأن الاسم حينئذ لا مدخل له ، بل الموضوع المنهي عنه الضرر ، وهو شئ سار في جميع أجزاء هذه الأفراد ، وصادق على نقص كل جزء مالي من هذين الأمرين ، بخلاف لفظ ( الحيوان ) و ( البساط ) فإن لفظهما لا يصدق على أجزائهما كما أو كيفا ، ومقتضى ذلك المنع عن كل جزء جزء من المجموع المركب في الفرس والحمار ، فإذا جاز أحدهما لضرورة لا يجوز ارتكاب الأزيد لعدم ضرورة .
فإن قلت : هذان في الحقيقة متباينان ، لكون كل منهما متعلقا بشئ آخر ، فلا دخل لذلك بمسألة الأقل والأكثر .
قلت : هذا اشتباه في موضوع ، فإن الموضوع هو ( الضرر ) ولا كلام في خصوص الفردين ، وهذان الفردان من الجهة التي نهي عنهما بها - وهي جهة الضررية - أقل وأكثر وإن كانا نوعين مختلفين .
وأظهر في الاختلاف أكل تمرة وقتل بقرة ، لكن الضرر الذي نهي عنه وجوده فيهما بطريق الأقل والأكثر ، فالمقدار الزائد عن الأقل مع كون الجنس - بمعنى أصل الضررية - واحدا ارتكاب لضرر من دون داع إليه ، وهو منفي بالنصوص المذكورة ، وهذا الكلام إن شاء الله واضح عند من تدبر .
المقام الرابع : في تعارض الضررين بمعنى : دوران الأمر بين فعل شئ موجب للضرر على الغير وتركه الموجب للضرر على نفس المباشر . ومنشأ الأشكال هنا تعارض قاعدة الضرر والضرار مع عموم ما دل على تسلط الناس على أملاكهم وأموالهم ( 1 ) ونظائر ذلك من عمومات الرخصة ( 2 ) .
* ( هامش ) *
( 1 ) عوالي اللئالي 1 : 222 ، ح 99 .
( 2 ) مثل قوله عليه السلام : " إن لصاحب المال أن يعمل بماله ما شاء ما دام حيا . . . " انظر الوسائل 13
ج1 ص 328 :
وينبغي في المقام ذكر جملة من كلمات أساطين الأصحاب ليكون عنوانا في الباب فتتضح ( 1 ) المسألة مع عموم البلوى بها .
قال المحقق في الشرائع - بعد ذكر مقادير حريم العامر - : وكل ذلك إنما يثبت له حريم إذا ابتكر في الموات ، أما ما تعمد ( 2 ) في الأملاك المعمورة ، فلا ( 3 ) .
وقال العلامة في القواعد - بعد ذكر الحريم - : هذا في الموات ، ولا حريم في الأملاك ، لتعارضها ، ولكل واحد أن يتصرف في ملكه كيف شاء ، وإن تضرر صاحبه فلا ضمان ، فلو جعل ملكه بيت حداد أو قصار أو حمام - على خلاف العادة - فلا منع ( 4 ) .
- العناوين الفقهية - الحسيني المراغي ج 1 ص 328 :
وقال في التحرير : للمالك التصرف وإن استضر الجار ( 5 ) .
وقال الشهيد رحمه الله في الدروس : ولا حريم في الأملاك لتعارضها ، فلكل أن يتصرف في ملكه بما جرت العادة به ، وإن تضرر صاحبه فلا ضمان ، كتعميق أساس حائطه وبئره وبالوعته ، والأيجاد ( 6 ) في منزله دكان حداد أو صفار أو دباغ ( 7 ) .
وقال المحقق الثاني - في شرح عبارة القواعد بعد قوله : ( فلا ضمان ) : لأن الناس مسلطون على أموالهم ( 8 ) . وبعد قوله : ( فلا منع ) قال في التذكرة : هذا إذا احتاط وأحكم الجدران بحيث يليق بما يقصده ، فإن فعل ما يغلب على الظن أنه يؤدي إلى خلل في حيطان
* ( هامش ) *
= 381 الباب 17 من أحكام الوصايا .
( 1 ) العبارة في غير ( م ) هكذا : والذي ينبغي أن يقال في هذا المقام يحتاج إلى ذكر جملة من كلمات أساطين الأصحاب حتى يكون عنوانا في الباب حتى تتضح . . . .
( 2 ) في المصدر : ما يعمل .
( 3 ) الشرائع 3 : 273 ، كتاب إحياء الموات .
( 4 ) القواعد 1 : 220 ، إحياء الموات .
( 5 ) التحرير 2 : 131 ، كتاب إحياء الموات .
( 6 ) كذا في النسخ ، والأصح : واتخاذ منزله ، كما في المصدر .
( 7 ) الدروس 3 : 60 ، كتاب إحياء الموات .
( 8 ) جامع المقاصد 7 : 26 ، إحياء الموات .
ج1 ص 329 :
جاره ففي منعه تردد . فلو دق دقا عنيفا حدث به نقصان في جدران جاره ، أو حبس الماء بحيث انتشرت منه النداوة إليها ، أو حصل ذلك من الحمام ، ففي الضمان تردد ( 1 ) .
وقال الشهيد الثاني في الروضة : أما الأملاك المتلاصقة ، فلا حريم لأحدهما ( 2 ) على جاره ، لتعارضها ، فإن كل واحد منها حريم بالنسبة إلى جاره ، ولا أولوية ، لأن من الممكن شروعهم في الأحياء دفعة ، فلم يكن لواحد على آخر حريم ( 3 ) .
وقال في المسالك : أما إذا كانت الأرض محفوفة بالأملاك فلا حريم لها ، لأن الأملاك متعارضة ، وليس جعل موضع حريما لدار أو غيرها أولى من جعله حريما للاخرى ، ولكل واحد من الملاك التصرف في ملكه كيف شاء ، فله أن يحفر بئرا في ملكه وإن كان لجاره بئر قريبة منها وإن نقص ماء الاولى ، والفرق : أن الحفر في الموات ابتداءا تملك ، فلا يمكن إذا تضرر الغير ، بل يقدم السابق بالتملك ، وفي الأملاك كل واحد يتصرف في ملكه ، فلا يمنع منه ، حتى لو حفر في ملكه بئر بالوعة وقاربها بئر الجار لم يمنع منه ولا ضمان عليه بسببه ، ولكنه يكون قد فعل مكروها . ومثله لو أعد داره المحفوفة بالمساكن حماما أو خانا أو طاحونة ، أو حانوتة ( 4 ) حانوت حداد أو قصار على خلاف العادة ، لأنه مالك له التصرف في ملكه كيف شاء . نعم ، له منع ما يضر بحائطه من البئر والشجر ولو ببروز أصلها إليه والضرب ( 5 ) المؤدي إلى ضرر الحائط ، ونحو ذلك ( 6 ) .
وقال المحقق السبزواري في الكفاية : المعروف من مذهب الأصحاب : أن لأن
* ( هامش ) *
( 1 ) جامع المقاصد 7 : 26 .
( 2 ) في المصدر : لأحدها .
( 3 ) الروضة البهية 7 : 165 ، كتاب إحياء الموات .
( 4 ) في المصدر زيادة : في جنب العطارين .
( 5 ) في ( ن ) : والضرر .
( 6 ) المسالك 2 : 290 ، كتاب إحياء الموات .
ج1 ص 330 :
حريم في الأملاك - وساق مضمون عبارة الدروس والمسالك - ثم قال : ويشكل هذا الحكم في صورة تضرر الجار تضررا فاحشا ، نظرا إلى ما تضمن الأخبار المذكورة من نفي الضرر والأضرار ، وهو الحديث المعمول به بين الخاصة والعامة المستفيض بينهم ، خصوصا ما تضمن الأخبار المذكورة من نفي الأضرار الواقع في ملك المضار ( 1 ) .
هذا جملة من عبائرهم في كتاب إحياء الموات ، ولهم كلام يرتبط بمقامنا وينحل المقام بملاحظته في كتاب الغصب . فلنذكر جملة من عبائر أساطين الأصحاب في ذلك .
قال في الشرائع : ولو أرسل في ملكه ماءا فأغرق مال غيره أو أجج فيه نارا فأحرق لم يضمن ما لم يتجاوز قدر حاجته اختيارا مع علمه أو غلبة ظنه أن ذلك موجب للتعدي إلى الأضرار ( 2 ) . ومثل ذلك بعينه قال في القواعد ( 3 ) .
وفي الدروس في ذكر أسباب الضمان : أو تجاوز قدر الحاجة من الماء أو النار ، أوعلم التعدي إلى مال الغير(4 ) .
وقال المحقق الثاني في جامع المقاصد : لما كان الناس مسلطين على أموالهم كان للمالك الانتفاع بملكه كيف شاء ، فإن دعت الحاجة إلى إرسال ماء أو إضرام نار في ملكه جاز فعله وإن غلب على الظن التعدي إلى الأضرار بالغير . نعم ، مع غلبة الظن بالتعدي إن تجاوز قدر الحاجة ضمن ، لأنه سبب في التلف لصدق تعريفه عليه ، إذا المباشر ضعيف .
- القواعد والفوائد - الشهيد الأول ج 1 ص 141 :
القاعدة الرابعة : الضرر المنفي وحاصلها : أنها ترجع إلى تحصيل المنافع ، أو تقريرها لدفع المفاسد ، أو احتمال أخف المفسدتين . وفروعها كثيرة حتى أن القاعدة الثانية تكاد تداخل هذه القاعدة . فمنها : وجوب تمكين الامام لينتفي به الظلم ، ويقاتل المشركين وأعداء الدين . ومنها : صلح المشركين مع ضعف المسلمين ، ورد مهاجريهم دون مهاجرينا ، وجواز رد المعيب ، أو أخذ أرشه ، ورد ما خالف الصفة أو الشرط ، وفسخ البائع عند عدم سلامة شرطه من الضمين أو الرهن . وكذا فسخ النكاح بالعيوب . ومنها : الحجر على المفلس ، والرجوع في عين المال ، والحجر على الصغير ، والسفيه ، والمجنون ، لدفع الضرر عن انفسهم اللاحق بنقص مالهم . ومنها : شرعية الشفعة ، والتغلظ على الغاصب بوجوب أرفع القيم ، وتحمل مؤنة الرد ، وضمان المنفعة بالفوات ، وشرعية القصاص والحدود ،
- القواعد والفوائد - الشهيد الأول ج 1 ص 142 :
ومن احتمال أخف المفسدتين : صلح المشركين ، لان فيه إدخال ضرر على المسلمين ، وإعطاء الدنية في الدين ، لكن في تركه قتل المؤمنين والمؤمنات الذين كانوا خاملين بمكة لا يعرفهم إكثر الصحابة ، كما قال
ج1 ص 143:
الله تعالى : ( ولو لا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات . . ) الآية . وفي ذلك مفسدة عظيمة ، ومضر ؟ على المسلمين ، وهي أشد من الاولى . ومنه . الاساغة بالخمر ، لان شرب الخمر مفسدة ، إلا أن فوات النفس أعظم منه ، نظرا إلى عقوبتهما . وكذا فوات النفس أشد من أكل الميتة ، ومال الغير . ومنه ، إذا أكره على قتل مسلم محقون الدم بحيث يقتل لو امتنع من قتله ، فانه يصبر على القتل ولا يقتله ، لان صبره أخف من الاقدام على قتل مسلم ، لان الاجماع على تحريم القتل بغير حق ، والاختلاف في جواز الاستسلام للقتل. ولا كذا لو أكره على أخذ المال ، لان اتلاف نفسه أشد من اتلاف المال ، فالفساد فيه أكثر . وكذا لو أكره على شرب حرام ، شربه ، لكثرة الفساد في القتل .
- نضد القواعد الفقهية- المقداد السيوري ص 81 :
قاعدة : نفي الضرر ، وحاصلها الرجوع إلى تحصيل المنافع أو تقريرها لدفع المفاسد أو احتمال أخف المفسدتين . وفروعها كثيرة ، حتى أن القاعدة الاولى لكاد تداخل هذه القاعدة : فمنها وجود تمكين الامام لينتفي به الظلم ويقاتل به المشركين وأعداء الدين .
ومنها - صلح المشركين مع ضعف المسلمين ، ورد مهاجريهم دون مهاجرينا وجواز رد المعيب أو أخذ أرشه ، ورد ما خالف الصفة أو الشرط ، وفسخ البائع
ص82 :
عند عدم سلامة شرطه من الضمين أو الرهن ، وكذا فسخ النكاح بالعيوب . ومنه الحجر على المفلس ، والرجوع في عين المال ، والحجر على الصغير والسفيه والمجنون للدفع ( 1 ) عن أنفسهم الحلاق بنقص مالهم ( 2 ) . ومنه شرعية الشفعة والتغليظ على الغاصب بوجوب أرفع القيم ، وتحمل مؤنة الرد ، وضمان المنفعة بالفوات ، وشرعية القصاص والحدود ، وقطع السارق في ربع دينار مع أنها تضمن بيد مثلها أو خمسمائة دينار صيانة للدم والمال ، وقد نسب إلى المعري ( 3 ) : يد بخمس مئين عسجدا ( 4 ) وديت * ما بالها قطعت في ربع دينار فأجابه السيد المرتضى رحمه الله : حراسة الدم أغلاها وأرخصها * حراسة المال فانظر حكمة الباري ( وقلت : خيانتها أهانتها وكانت * ثمينا عند ما كانت أمينا نظرا ) ( 5 ) لقول بعض العلماء : لما كانت أمينة كانت ثمينة فلما خانت هانت
* ( هامش ) *
( 1 ) في ك : لدفع الضرر عن انفسهم .
( 2 ) في هامش ص : بتقصير مالهم .
( 3 ) هو احمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي المعري ، شاعر فيلسوف ، ولد ومات في معرة نعمان ، أصيب بالجدري صغيرا فعمى في السنة الرابعة من عمره ، وقال الشعر وهو ابن احدى عشرة سنة ، ورحل إلى بغداد سنة 398 فأقام بها سنة وسبعة اشهر ومات سنة 449 .
( 4 ) العسجد : الذهب والجوهر كله والدر والياقوت .
( 5 ) مابين القوسين ليس في ص .
ص 83 :
( وتذكير الثمين والامين باعتبار موصوف مذكر أي شيئا ) ( 1 ) . ومن احتمال أخف المفسدتين صلح المشركين ، لان فيه ادخال ضيم ( 2 ) على المسلمين ، واعطاء الدنية في الدين ، لكن في تركه قتل المؤمنين والمؤمنات الذين كانوا خاملين بمكة لا يعرفهم أكثر الصحابة كما قال تعالى " ولو لا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات " الاية ( 3 ) . وفي ذلك مفسدة عظيمة ومعرة على المسلمين ، وهي أشد من الاولى . ومنه الاساغة بالخمر ، لان شرب الخمر مفسدة لكن فوات النفس أعظم منه نظرا إلى عقوبتيهما ، وكذا فوات النفس أشد من أكل الميتة ومال الغير . ومنه إذا أكره على قتل مسلم محقون الدم بحيث يقتل لو امتنع من قتله ، فانه يصبر على القتل ولا يقتله ، لان صبره أخف من الاقدام على قتل المسلم ، لان الاجماع على تحريم القتل بغير حق والاختلاف في جواز الاستسلام للقتل . ولا كذا لو أكره على أخذ المال ، لان اتلاف نفسه أشد من اتلاف المال ، فالفساد فيه أكثر . وكذا لو أكره على شرب حرام شربه لكثرة الفساد بالقتل .
فائدة : قد يقع التخيير باعتبار تساوي الضرر ، كمن أكره على أخذ درهم زيد أو عمرو ووجد في المخمصة ميتين أو حربيين متساويين ، ولو كان أحدهما قريبه قدم الأجنبي ، كما يكره قتل قريبه في الجهاد .
* ( هامش ) *
( 1 ) مابين القوسين ليس في ص .
( 2 ) ضام ضيما مثل ضار ضيرا وزنا ومعنى .
( 3 ) سورة الفتح : 25 .
ص 84 :
ومنه تخيير الامام في قتال أحد العدوين من جهتين مع تساويهما من كل وجه . ويمكن التوقف في الواقع على أطفال المسلمين ان أقام على واحد قتله وان انتقل إلى آخر قتله ، وكذا لو هاج البحر واحتيج إلى القاء بعض المسلين فلا أولوية . ولو كان في السفينة مال أو حيوان ألقى قطعا ، ولو كان في الاطفال من أبواه حربيان قدم . ولو تقابلت المصلحة والمفسدة فان غلبت المفسدة درئت كالحدود ، فانها مفسدة بالنظر إلى الا لم وفي تركها مفسدة أعظم ، فتدرأ المفسدة العظمى باستيفائها لان في ذلك مراعاة الاصلح ، واليه الاشارة بقوله تعالى " يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما " الاية ( 1 ) . وان غلبت المصلحة قدمت ، كالصلاة مع النجاسة أو كشف العورة ، فان فيه مفسدة لما فيه من الاجلال بتعظيم الله في أنه لا يناجى على تلك الاحوال ، الا أن تحصيل الصلاة أهم . ومنه نكاح الحر الامة ، وقتل نساء الكفار وصبيانهم ، ونبش القبور عند الضرورة ، وتقرير الكتابى على دينه ، والنظر إلى العورة عند الضرورة . وقد قيل منه قطع فلذة ( 2 ) من الخفذ لدفع الموت عن نفسه ، أما لدفع الموت عن غيره فلا خلاف في عدم جوازه . ومن انغماز المصلحة في جنب المفسدة فيسقط اعتبار المصلحة رد شهادة المتهم وحكمه كالشاهد لنفسه والحاكم لها ، لان قوة الداعي الطبيعي قادحة في الظن المستفاد من الوازع الشرعي قدحا ظاهرا لا يبقى منه الا ظن ضعيف لا يصلح للاعتماد عليه .
- نضد القواعد الفقهية- المقداد السيوري ص 85 :
فالمصلحة الحاصلة بالشهادة والحكم مغمورة في جنب هذه المفسدة ، ولهذا لو كان معصوما قبل قوله لنفسه وان لم يسم حكما ولا شهادة ، كما في قصة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع الاعرابي في دعوى الناقة وقتل علي عليه السلام الاعرابي لما أكذب النبي صلى الله عليه وآله وكانا قد تحاكما إليه بعد أن تحاكما إلى غيره وحكم ذلك بغير الواقع ( 1 ) ، وكشهادة خزيمة بتصديقه صلى الله عليه وآله وسلم فسمي ذا الشهادتين ( 2 ) . ويمكن تعليل الحكم في ذلك بدفع سوء القالة والتعرض لا ساءة الظن . وقد تشهد ( 3 ) الله تعالى على المكلفين بالملائكة الحافظين وبالجوارح يوم القيامة ، وهو أحكم الحاكمين مبالغة في الحجة البالغة . أما شهادته لصديقه أو قريبه فبالعكس ، فانه لو منع أدى إلى فوات المصلحة العامة من الشهادة للناس ، فانغمرت هذه التهمة في جنب هذه المفسدة العامة ، إذ لا يشهد الانسان الا لمن يعرفه غالبا . ومنه اشتمال العقد على مفسدة تترتب عليه ترتيبا قريبا ، كبيع المصحف أو العبد المسلم من الكافر وبيع السلاح لاعداء الدين . ويحتمل أيضا قطاع الطريق إذا تحقق منهم ذلك ، وهو قوي . وبيع الخشب ليعمل صنما ، والعنب ليصنع خمرا . وقد يدخل المسلم في ملك الكافر فيزال كالارث ، والرجوع بالعيب ، وافلاس المشتري ، والملك الضمني كقوله " أعتق عبدك عني ، ، وفيما لو كاتب
* ( هامش ) *
( 1 ) روضة المتقين 6 / 253 ، امالي الصدوق 62 ( المجلس 22 ) ، الوسائل 18 / 200 .
( 2 ) روضة المتقين 6 / 258 .
( 3 ) في ص وهامش ك : وقد استشهد الله تعالى .
ص 86 :
الكافر عبده وملك عبدا فأسلم فعجزه المكاتب فعجزه سيده الكافر ، فانه يدخل ذلك العبد المسلم في ملك السيد الكافر ثم يزال . وفي شراء من يعتق عليه اما باطنا كقريبه أو ظاهرا كما إذا أقر بحرية عبد ثم اشتراه فيكون شراءا من جهة البائع وفداءا من جهة المشتري . وفيما إذا أسلم العبد المجعول صداقا في يد الذمية زوجة الذمي ثم فسخ نكاحها لعيب أوردتها قبل الدخول أو طلاق أو اسلامها قبل الدخول ، أو في تقويم العبد المسلم على الشريك الكافر إذا أعتق نصيبه ، وفي وطي الذمي الامة المسلمة لشبهة فتعلق منه فانه يقوم عليه ان قلنا بانعقاده رقا مع أنه مسلم . لو تزويج المسلم أمة الكافر الذمية في موضع الجواز وشرط عليه رق الولد وقلنا بجواز في الحر المسلم ، ففي جوازه هنا تردد ، فان جوزناه دخل في ملك الكافر ثم أزيل . وفيما لو وهبه الكافر من مسلم وأقبضه وقلنا بجواز رجوعه في موضع جواز الرجوع . ولا يبطل بيع العبد باسلامه قبل قبض المشتري الكافر ، بل يزال ملكه عنه ويتولى مسلم قبضه باذن الحاكم .
تبادل انديشها