-  حاشية على كفاية الأصول - تقرير بحث السيد البروجردي ج 1   ص 213 :

الفصل الثالث

الاتيان بالمأمور به على وجهه يقتضي الاجزاء في الجملة بلا شبهة ، وقبل الخوض في تفصيل المقام وبيان النقض والابرام ، ينبغي تقديم أمور :

أحدها : الظاهر أن المراد من ( وجهه ) - في العنوان - هو النهج الذي ينبغي أن يؤتى به على ذاك النهج شرعا وعقلا ، مثل أن يؤتى به بقصد التقرب في العبادة ، لا خصوص الكيفية المعتبرة في المأمور به شرعا ، فإنه عليه يكون ( على وجهه ) قيدا توضيحيا ، وهو بعيد ، مع أنه يلزم خروج التعبديات عن حريم النزاع ، بناء على المختار ، كما تقدم من أن قصد القربة من كيفيات الاطاعة عقلا ، لا من قيود المأمور به شرعا ، ولا الوجه المعتبر ] قوله : الفصل الثالث الاتيان بالمأمور به . . . . . الخ . اعلم ان مراده قدس سره من الامور الثلاثة المذكورة بيان ما هو التحقيق من المراد بالعناوين المأخوذة ، بيان ذلك بطريق الاختصار هو ان المقصود من قيد ( على وجهه ) هو أتيان المأمور به بجميع ما اعتبر فيه شرعا ، مثل الاجزاء والشروط الشرعية المأخوذة في المأمور به ، وعقلا مثل قصد الامتثال وكذا قصد الوجه والتميز بناء على اعتبارهما ، كما ان المراد بالاقتضاء في المقام هو الاقتضاء بنحو العلية والتأثير ، لا بنحو الدلالة والكشف ، فانه المعنى الاول يناسب الاضافة إلى الاتيان .

فان قيل : الاقتضاء بنحو العلية انما يناسب فيما إذا لوحظ الاجزاء بالنسبة إلى امره ، مثل المأمور به بالامر الواقعي ، أو المأمور به بالامر الظاهري ،

ج1ص 214 :

 [ عند بعض الاصحاب ، فإنه - مع عدم اعتباره عند المعظم ، وعدم اعتباره عند من اعتبره ، إلا في خصوص العبادات لا مطلق الواجبات - لا وجه لاختصاصه بالذكر ، على تقدير الاعتبار ، فلا بد من إرادة ما يندرج فيه من المعنى ، وهو ما ذكرناه ، كما لا يخفى .

ثانيها : الظاهر أن المراد من الاقتضاء - ها هنا - الاقتضاء بنحو العلية والتأثير ، لا بنحو الكشف والدلالة ، ولذا نسب إلى الاتيان لا إلى الصيغة .

إن قلت : هذا إنما يكون كذلك بالنسبة إلى أمره ، وأما بالنسبة إلى أمر آخر ، كالاتيان بالمأمور به بالامر الاضطراري أو الظاهري بالنسبة إلى الامر الواقعي ، فالنزاع في الحقيقة في دلالة دليلهما على اعتباره ، بنحو يفيد الا جزا ، أو بنحو آخر لا يفيده .

قلت : نعم ، لكنه لا ينافي كون النزاع فيهما ، كان في الاقتضاء بالمعنى المتقدم ، غايته أن العمدة في سبب الاختلاف فيهما ، إنما هو الخلاف في دلالة دليلهما ، هل أنه على نحو يستقل العقل بأن الاتيان به موجب للاجزاء ويؤثر فيه ، وعدم دلالته ؟ ويكون النزاع فيه صغرويا أيضا ، بخلافه في الاجزاء بالاضافة إلى أمره ، فانه لا يكون إلا كبرويا ، لو كان هناك نزاع ، كما نقل عن بعض . فافهم . ] وكذا المأمور به بالامر الاضطراري ، كل بالاضافة إلى أمر نفسه ، لا إلى امر آخر مثل المأمور به بالامر الظاهري أو الاضطراري بالنسبة إلى غيرهما من الامر الواقعي ، فان المناسب بل المتعين حينئذ هو الاقتضاء بالمعنى الثاني ، فان البحث فيه انما هو في دلالة دليلهما . يقال : انه وان كان الامر كما ذكر ، لكنه لا ينافي ما ذكرنا ، لان النزاع فيهما من جهتين : الاولى في دلالة دليلهما على الاجزاء ، وهذا نزاع صغروي ، والثانية في استقلال العقل بان الاتيان به مفيد الاجزاء وعلة له ، وذلك نزاع كبروي ،

ج1 ص 215 :

 [ ثالثها : الظاهر أن الاجزاء - ها هنا - بمعناه لغة ، وهو الكفاية ، وإن كان يختلف ما يكفي عنه ، فإن الاتيان بالمأمور به بالامر الواقعي يكفي ، فيسقط به التعبد به ثانيا ، وبالامر الاضطراري أو الظاهري الجعلي ، فيسقط به القضاء ، لا أنه يكون - هاهنا - اصطلاحا ، بمعنى إسقاط التبعد أو القضاء ، فإنه بعيد جدا . رابعها : الفرق بين هذه المسألة ، ومسألة المرة والتكرار ، لا يكاد يخفى ، فإن البحث - هاهنا - في أن الاتيان بما هو المأمور به يجزي عقلا ، بخلافه في تلك المسألة ، فإنه في تعيين ما هو الامور به شرعا بحسب دلالة الصيغة بنفسها ، أو بدلالة أخرى . نعم كان التكرار عملا موافقا لعدم الاجزاء لكنه لا بملاكه ، وهكذا الفرق بينها وبين مسألة تبعية القضاء للاداء ، فإن البحث في تلك المسألة في دلالة الصيغة على التبعية وعدمها ، بخلاف هذه المسألة ، فإنه - كما عرفت - في ] والفرق بينهما انه على فرض دلالة دليلهما يمكن ان يدل دليل آخر على عدم الاجزاء فيؤخذ به ، بخلاف الثاني ، فانه مع فرض استقلال العقل بالاجزاء لابد من طرح ما يدل على عدم الاجزاء على فرض نهوضه على ذلك ، فافهم . قوله : رابعها الفرق . . الخ . اعلم ان الفرق بين هذه المسألة ومسألة المرة والتكرار ، وكذا بينها وبين تبعية القضاء للاداء اوضح من ان يخفى ، لان البحث هنا في إجزاء الاتيان بما هو معلوم كونه مأمورا به ، بخلافه في المرة والتكرار فانه هناك في تعيين المأمور به ، كما ان البحث في مسألة تبعية القضاء يكون في ان وجوب القضاء بعد عدم

الاتيان بالمأمور به في الوقت هل هو بأمر جديد أو بالامر الاول المتعلق باصل الفعل في الوقت ، بخلاف المقام ، فان البحث في اجزاء المأتي به عن أتيانه ثانيا اداء أو قضاء فافهم .

ج1 ص 216 :

 [ أن الاتيان بالمأمور به يجزي عقلا عن إتيانه ثانيا أداء أو قضاء ، أو لا يجزي ، فلا علقة بين المسألة والمسألتين أصلا . إذا عرفت هذه الامور ، فتحقيق المقام يستدعي البحث والكلام في موضعين :

الاول : إن الاتيان بالمأمور به بالامر الواقعي - بل بالامر الاضطراري أو الظاهري أيضا - يجزي عن التعبد به ثانيا ، لاستقلال العقل بأنه لا مجال مع موافقة الامر بإتيان المأمور به على وجهه ، لاقتضائه التعبد به ثانيا . نعم لا يبعد أن يقال : بأنه يكون للعبد تبديل الامتثال والتعبد به ثانيا ، بدلا عن التعبد به أولا ، لا منضما إليه ، كما أشرنا إليه في المسألة السابقة ، وذلك فيما علم أن مجرد امتثاله لا يكون علة تامة لحصول الغرض ، وإن كان وافيا به لو اكتفى ، كما إذا أتى بماء أمر به مولاه ليشربه ، فلم يشربه بعد ، فإن الامر بحقيقته وملاكه لم يسقط بعد ، ولذا لو أهريق الماء واطلع عليه ] قوله : إذا عرفت هذه الامور فتحقيق المقام يستدعي البحث والكلام في موضعين : الاول ان الاتيان . . الخ . اعلم ان مجمل الكلام في تحقيق المرام هو ان الاتيان بالمأمور به سواء أكان بالامر الواقعي أو الاضطراري ، بل والظاهري لا شبهة في إجزائه عن التعبد به ثانيا . وذلك لانه مع فرض الاتيان بالمأمور به بجميع ما اعتبر فيه شرعا أو عقلا لم يبق مجال للامر به ثانيا عقلا ، لانه حينئذ امر بتحصيل الحاصل وهو لغو بل محال ، نعم للعبد تبديل الامتثال به ثانيا بتفويته الفرد الاول واتيانه بفرد آخر ، لكنه ليس له ذلك في كل مورد ، بل فيما إذا علم عدم كون الامتثال الاول علة تامة لحصول الغرض ، فللعبد حینئذ تبديل الامتثال ، ضرورة بقاء الامر ببقاء الغرض ، ويدل على ذلك بناء على ما افاده المصنف قدس سره ما ورد من

ج1 ص 217 :

[ العبد ، وجب عليه إتيانه ثانيا ، كما إذا لم يأت به أولا ، ضرورة بقاء طلبه ما لم يحصل غرضه الداعي إليه ، وإلا لما أوجب حدوثه ، فحينئذ يكون له الاتيان بماء آخر موافق للامر ، كما كان له قبل إتيانه الاول بدلا عنه . نعم فيما كان الاتيان علة تامة لحصول الغرض ، فلا يبقى موقع للتبديل ، كما إذا أمر بإهراق الماء في فمه لرفع عطشه فأهرقه ، بل لو لم يعلم أنه من أي القبيل ، فله التبديل باحتمال أن لا يكون علة ، فله إليه سبيل ، ويؤيد ذلك - بل يدل عليه - ما ورد من الروايات في باب إعادة من صلى فرادى جماعة ، وأن الله تعالى يختار أحبهما إليه .

الموضع الثاني : وفيه مقامان :

المقام الاول : في أن الاتيان بالمأمور به بالامر الاضطراري ، هل يجزي عن الاتيان بالمأمور به بالامر الواقعي ثانيا ، بعد رفع الاضطرار في الوقت ] الروايات في باب اعادة من صلى فرادى بالجماعة ، لكن لا يخفى ما في ذلك الاستدلال ، فان مفروض الكلام في المقام هو تبديل الفرد الاول وابطاله والاتيان بفرد آخر ، بخلاف مورد الروايات ، فان الفرد الاول الذي وقع فرادى يكون باقيا على حاله وصحته ، والاتيان بفرد آخر جماعة لا يوجب بطلان ما وقع اولا ، هذا والذي يمكن ان يقال في مورد الروايات في وجه ذلك ثبوتا ، بعد دلالة الدليل عليه اثباتا ، هو ان كلا من الفردين يكون مأمورا به غاية الامر ان الاول يقع فردا للواجب ، بخلاف الثاني فانه يقع ندبا ، فيختار الله تعالى ما احب منهما عنده عزوجل . قوله : الموضع الثاني وفيه مقامان : المقام الاول . . الخ . اعلم ان المأمور به بالامر الاضطراري يمكن وقوعه بحسب الواقع ومقام الثبوت على انحاء :

ج1 ص 218 :

 [ إعادة ، وفي خارجة قضاء ، أو لا يجري ؟ . تحقيق الكلام فيه يستدعي التكلم فيه تارة في بيان ما يمكن أن يقع عليه الامر الاضطراري من الانحاء ، وبيان ما هو قضية كل منهما من الاجزاء وعدمه ، وأخرى في تعيين ما وقع عليه . فاعلم أنه يمكن أن يكون التكليف الاضطراري في حال الاضطرار ، كالتكليف الاختياري في حال الاختيار ، وافيا بتمام المصلحة ، وكافيا فيما هو المهم والغرض ، ويمكن أن لا يكون وافيا به كذلك ، بل يبقى منه شئ أمكن استيفاؤه أو لا يمكن . وما أمكن كان بمقدار يجب تداركه ، أو يكون بمقدار يستحب ، ولا يخفى أنه إن كان وافيا به يجزي ، فلا يبقى مجال أصلا للتدارك ، لا قضاء ولا إعادة ، وكذا لو لم يكن وافيا ، ولكن لا يمكن تداركه ، ولا يكاد يسوغ له البدار في هذه الصورة إلا لمصلحة كانت فيه ، لما فيه من نقض الغرض ، وتفويت مقدار من المصلحة ، لولا مراعاة ما هو فيه من الاهم ، فافهم . لا يقال : عليه ، فلا مجال لتشريعه ولو بشرط الانتظار ، لا مكان استيفاء الغرض بالقضاء . فإنه يقال : هذا كذلك ، لولا المزاحمة بمصلحة الوقت ، وأما تسويغ البدار أو إيجاب الانتظار في الصورة الاولى ، فيدور مدار كون العمل - بمجرد الاضطرار مطلقا ، أو بشرط الانتظار ، أو مع اليأس عن طرو الاختيار - ذا مصلحة ووافيا بالغرض . ] منها ان يكون مثل الاختياري وافيا بتمام المصلحة والغرض ، بحيث لا يشذ منهما عنه شئ ، ولا شبهة في إجزائه . ومنها ان لا يكون وافيا بتمام المصلحة والغرض بحيث بقى منهما شئ ،

ج1 ص 219 :

 [ وإن لم يكن وافيا ، وقد أمكن تدارك الباقي في الوقت ، أو مطلقا ولو بالقضاء خارج الوقت ، فإن كان الباقي مما يجب تداركه فلا يجزي ، بل لابد من إيجاب الاعادة أو القضاء ، وإلا فيجزي ، ولا مانع عن البدارفي الصورتين ، غاية الامر يتخير في الصورة الاولى بين البدار والاتيان بعملين : العمل الاضطراري في هذا الحال ، والعمل الاختياري بعد رفع الاضطرار أو الانتظار ، والاقتصار بإتيان ما هو تكليف المختار ، وفي الصورة الثانية يجزي البدار ويستحب الاعادة بعد طرو الاختيار . هذا كله فيما يمكن أن يقع عليه الاضطراري من الانحاء ، وأما ما وقع ] وذلك على انحاء : منها : ان لا يكون الباقي مقدارا يمكن استيفائه باتيانه ثانيا ، وفي هذه الصورة لا شبهة ايضا في الاجزاء ، ولايجوز في تلك الصورة للعبد البدار ولا للمولى تجويزه ، لان ذلك تفويت لمقدار من المصلحة مع عدم امكان التدارك . ومنها ان يكون بمقدار يمكن استيفائه وكان ذلك المقدار مقتضيا لايجاب التدارك ، وعلى هذا النحو لا شبهة في عدم الاجزاء ، وانه لابد من ايجاب الا عادة في الوقت والقضاء في خارجه . ومنها ان يكون بمقدار لم يكن مقتضيا للايجاب بل كان مقتضيا للاستحباب ، وعليه يجزي عن الايجاب ثانيا ، وان كان للمولى الامر به ثانيا استحبابا ، وفي تلك الصورة وما قبلها يجوز البدار ولا يجب الانتظار ، بل للعبد الاختيار هذا كله في مقام الثبوت ، واما في مقام الاثبات فالظاهر من ادلته هو الاجزاء وعدم وجوب الاعادة والقضاء ، مثل قوله تعالى : وان كنتم مرضى أو على سفر أو جاء احد منكم من الغائط أو لا مستم النساء فلم تجدوا ماء

ج1ص 220 :

 [ عليه فظاهر إطلاق دليله ، مثل قوله تعالى  ( فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا ) وقوله ( عليه السلام ) : ( التراب أحد الطهورين ) و : ( يكفيك عشر سنين ) هو الاجزاء ، وعدم وجوب الاعادة أو القضاء ، ولابد في إيجاب الاتيان به ثانيا من دلالة دليل بالخصوص . وبالجملة : فالمتبع هو الاطلاق لو كان ، وإلا فالاصل ، وهو يقتضي البراءة من إيجاب الاعادة ، لكونه شكا في أصل التكليف ، وكذا عن إيجاب ] فتيمموا صعيدا طيبا  ( 1 ) . وقوله صلى الله عليه وآله : وسلم لا لتراب احد الطهورين ( 2 ) ، ويكفيك عشر سنين ( 3 ) وان اغمضنا عن ذلك فمقتضى الاصل البرائة عقلا ونقلا ، لان الشك انما يكون في اصل التكليف فتأمل .

هذا على ما افاده المصنف قدس سره ، ولكن التحقيق على ما افاده السيد الاستاذ مد ظله هو انه لابد اولا ان يعرف موضوع البحث ومحط خلافهم حتى ينكشف الحال ، فنقول : ان مفروض المسألة عندهم في المقام هو ان الاتيان بالفرد المأمور به الاضطراري في جزء من الوقت كالاتيان بالصلوة بالطهارة الترابية حال الاضطرار هل يجزي عن الاتيان بفرد آخر بالطهارة المائية ثانيا بعد رفع الاضطرار في الوقت أو خارجه ام لا يجزي ؟ وبعبارة اخرى هل الاتيان بالمأمور به الاضطراري مجز عن الاتيان بالمأمور به الاختياري ، بعد كونهما فردين لطبيعة واحدة المأمور بهما بامرها امرا تخييريا شرعيا أو عقليا ، ام غير مجز ؟ وبالجملة بعد معلومية ان كل واحد منهما فرد للطبيعة الواحدة ، وان كل

* ( هامش ) *

( 1 ) سورة النساء : 43 ، المائدة : 6 .

( 2 ) التهذيب : 1 / 196 - 197 ، 200 باب التيمم وأحكامه .

( 3 ) التهذيب 1 / 194 ، الحديث 35 ، التيمم وأحكامه ، وصفحة 199 ، الحديث 52 .

ج1ص 221 :

 [ القضاء بطريق أولى ، نعم لودل دليله على أن سببه فوت الواقع ، ولو لم يكن هو فريضة ، كان القضاء واجبا عليه ، لتحقق سببه ، وإن أتى بالفرض لكنه مجرد الفرض . ] واحد منهما مأمور به بالامر التخييري التوسعي شرعا أو عقلا ، لا ان كل واحد منهما طبيعة غير الآخر ، بحيث كان كل منهما مأمورا به بالامر التعييني ليكون في البين امران : احدهما متعلق بالامر الاضطراري ، والآخر بالاختياري كما هو ظاهر كلام الشيخ في " تقريراته " والمنصف في " الكفاية " يجري البحث في ان الاتيان بالمأمور به بالامر الاضطراري التخييري التوسعي حال الاضطرار مجز عن الاتيان بالمأمور به بالامر الاختياري التخييري في حال رفع الاضطرار اولا ؟

والتحقيق كما هو مقتضى اطلاق دليله الاجزاء فيما إذا اتى بالفرد الاضطراري حاله وان ارتفع الاضطرار في الوقت وتبدل ، فان مقتضى الاطلاق فردية ذلك للطبيعة المأمور بها كما لا يخفی ، ولا يشترط ببقاء الاضطرار في جميع الوقت . وعلى ما ذكرناه في تحقيق المسألة ثبوتا واثباتا ظهر لك بانه لا موقع لما ذكره المصنف قدس سره من التشقيقات والمتصورات واحكامها ثبوتا ، ثم استظهار بعضها الذي يفيد الاجزاء اثباتا ، وذلك لانه بعد فردية الاضطراري للطبيعة المأمور بها لابد وان يكون وافيا بتمام المصلحة والغرض ، وانه لا يجوز احتمال خلاف ذلك الا بخروجه عن الفردية وهذا خلف ، وبالجملة الفرد الاضطراري بضميمة دليله كالفرد الاختياري في جميع الاثار والاحكام بلا تفاوت بينهما اصلا ، وكل منهما فرد من الامور به وهو الطبيعة ، وليس في البين الا امر واحد متعلق بها ، فكلما حصلت في اي فرد منهما يحصل الامتثال ويسقط الامر

ج1 ص 222 :

[ المقام الثاني : في إجزاء الاتيان بالمأمور به بالامر الظاهري وعدمه . والتحقيق : إن ما كان منه يجري في تنقيح ما هو موضوع التكليف وتحقيق متعلقه ، وكان بلسان تحقق ما هو شرطه أو شطره ، كقاعدة الطهارة أو الحلية ، بل واستصحابهما في وجه قوي ، ونحوها بالنسبة إلى كل ما اشترط بالطهارة أو الحلية يجزي ، فإن دليله يكون حاكما على دليل الاشتراط ، ومبينا لدائرة الشرط ، وأنه أعم من الطهارة الواقعية والظاهرية ، فانكشاف الخلاف فيه لا يكون موجبا لانكشاف فقدان العمل لشرطه ، بل بالنسبة إليه يكون من قبيل ارتفاعه من حين ارتفاع الجهل ، وهذا بخلاف ما كان منها بلسان أنه ما هو الشرط واقعا ، كما هو لسان الامارات ، فلا يجري ، فإن دليل حجيته حيث ] بها ، فلا مجال للقول بايجاب الاعادة أو القضاء ، ولو بدليل آخر ، لانه لو كان انما يكون دالا على ثبوت امر مستقل وواجب آخر لا ربط له بالاول ، وليس الاتيان به اعادة للاول ولا تداركا له فافهم .

قوله : المقام الثاني في إجزاء الاتيان بالمأمور به بالامر الظاهري . . الخ . المقصود بالامر الظاهري في مورد النزاع هو الامر الظاهري الشرعي المتكفل لبيان ما هو جزء أو شرط للمأمور به ، أو مانع عنه ، وما ليس بجزء وشرط ومانع ، لا مطلقه ولو كان علقيا ، فانه لا نزاع في عدم اجزائه حال كشف الخلاف ، مثل البرائة العقلية ، وصورة القطع بالحكم ، أو الظن في صورة الانسداد والقول بالحكومة ، أو كان متكفلا لبيان اصل الحكم وجودا أو عدما ، فانه على فرض قيامه على عدم الوجوب لا مجال لجريان النزاع فيه ، وكذا على فرض قيامه على وجوده ، فان كشف الخلاف فيه لا يخلو من امرين : احدهما ان لا يكون في الوقع حكم اصلا ، والآخر ان يكون حكم ولكن

ج1 ص 223 :

 [ كان بلسان أنه واجد لما هو شرطه الواقعي ، فبارتفاع الجهل ينكشف أنه لم يكن كذلك ، بل كان لشرطه فاقدا . هذا على ما هو الاظهر الاقوى في الطرق والامارات ، من أن حجيتها ليست بنحو السببية ، وأما بناء عليها ، وأن العمل بسبب أداء أمارة إلى وجدان شرطه أو شطره ، يصير حقيقة صحيحا كأنه واجد له ، مع كونه فاقده ، فيجزي لو كان الفاقد معه - في هذا الحال - كالواجد في كونه وافيا بتمام الغرض ، ولا يجزي لو لم يكن كذلك ، ويجب الاتيان بالواجد لاستيفاء الباقي - إن وجب - وإلا لاستحب . هذا مع إمكان استيفائه ، وإلا فلا مجال لاتيانه ، كما عرفت في الامر الاضطراري . ] كان متعلقا بموضوع آخر غير موضوع الامر الظاهري ، مثل ما إذا قام الدليل أو الاصل على وجوب صلوة الجمعة تعيينا في زمان الغيبة فانكشف وجوب صلوة الظهر كذلك ، فانه لا مجال لجريان النزاع فيه ايضا وتوهم الاجزاء كما لا يخفى . إذا عرفت هذا فاعلم ان التحقيق كما افاده المحقق المدقق السيد الاستاذ مد ظله هو الاجزاء مطلقا ، سواء أكان موردا للاصول ، ام كان موردا للامارات ، وذلك لان مقتضى ادلة حجية الاصول بل الامارات هو كان مؤداها ، عما يحصل به الطبيعة المأمور بها في حال الشك كما في مورد الاصل أو حال الجهل كما في مورد الامارات ، وان كان ذاك الفرد في هذا الحال فاقدا لما يعتبر في حصول الطبيعة واقعا ، مثل ما إذا نهض دليل أو اصل على عدم جزئية السورة للصلوة ، فان مقتضى دليل حجيتهما هو كون الصلوة بدون السورة تمام الصلوة في حال الشك أو الجهل ، وذلك مطلقا ولو انكشف الخلاف لمكان اطلاق دليل الحجية كما لا يخفى ، فلا مجال لتوهم عدم الاجزاء ولو في صورة كشف الخلاف .

ج1 ص 224 :

 [ ولا يخفى أن قضية إطلاق دليل الحجية - على هذا - هو الاجتزاء بموافقته أيضا ، هذا فيما إذا أحرز أن الحجية بنحو الكشف والطريقية ، أو بنحو الموضوعية والسببية ، وأما إذا شك فيها ولم يحرز أنها على أي الوجهين ، فأصالة عدم الاتيان بما يسقط معه التكليف مقتضية للاعادة في الوقت ، واستصحاب عدم كون التكليف بالواقع فعليا في الوقت لا يجدي ، ولا يثبت كون ما أتى به مسقطا ، إلا على القول بالاصل المثبت ، وقد علم اشتغال ذمته بما يشك في فراغها عنه بذلك المأتي . وهذا بخلاف ما إذا علم أنه مأمور به واقعا ، وشك في أنه يجزي عما هو المأمور به الواقعي الاولي ، كما في الاوامر الاضطرارية أو الظاهرية ، بناء على أن يكون الحجية على نحو السببية ، فقضية الاصل فيها - كما أشرنا إليه - عدم وجوب الاعادة ، للاتيان بما اشتغلت به الذمة يقينا ، وأصالة عدم فعلية التكليف الواقعي بعد رفع الاضطرار وكشف الخلاف . ] وبعبارة اخرى مقتضى ادلة الاوامر الظاهرية هو كون الصلوة الكذائية الفاقدة للجزء الكذائي في هذا الحال ( اي حال الشك ) مثل الصلوة الواجدة للجزء الكذائي في حال العلم في كونها فردا للصلوة المأمور من غير تفاوت بينهما في حصول الطبيعة بهما اصلا ، نظير متعلق الاوامر الاضطرارية بالاضافة إلى الاختيارية ، فان المأمور به بالامر الاضطراري يكون فردا للطبيعة المأمور بها ، كما ان المأمور به بالامر الاختياري ايضا فرد لها ، هذا ولكن يمكن ان يقال بالفرق بين الاوامر الظاهرية والاضطرارية في ان متعلق الاوامر الاضطرارية يكون مقيدا لمتعلق الاوامر الاختيارية ، وذلك لكون الاوامر الاضطرارية في مرتبة الاختيارية وفي عرضها ، فيكون متعلق الاضطراري مع كونه مقيدا فردا للمطلق ، ومعه يوجب الاجزاء ، وهذا بخلاف الاوامر الظاهرية ، فانها بمتعلقها لا يمكن ان تكون مقيدة لما يتعلق به الاحكام الواقعية ، وذلك لان الشك فيها وكذا الجهل

ج1 ص 225 :

 [ وأما القضاء فلا يجب بناء على أنه فرض جديد ، وكان الفوت المعلق عليه وجوبه لا يثبت بأصالة عدم الاتيان ، إلا على القول بالاصل المثبت ، وإلا فهو واجب ، كما لا يخفى على المتأمل ، فتأمل جيدا . ثم إن هذا كله فيما يجري في متعلق التكاليف ، من الامارات الشرعية والاصول العملية ، وأما ما يجري في إثبات أصل التكيف ، كما إذا قام الطريق أو الاصل على وجوب صلاة الجمعه يومها في زمان الغيبة ، فانكشف بعد أدائها وجوب صلاة الظهر في زمانها ، فلا وجه لاجزائها مطلقا ، غاية الامر أن تصير صلاة الجمعة فيها - أيضا - ذات مصلحة لذلك ، ولا ينافي هذا بقاء صلاة الظهر على ما هي عليه من المصلحة ، كما لا يخفى ، إلا أن يقوم دليل ] بها مأخوذ في موضوع الاحكام الظاهرية ، ومعه تكون الاحكام الظاهرية متأخرة عنها بمرتبة واحدة أو ازيد ، وحينئذ تقع في طولها لا في عرضها كما لا يخفى ، وعلى ذلك كيف تقيدها بها ، ومن ذلك يشكل الامر في كون وقوع متعلق الامر الظاهري فردا للطبيعة المأمور بها حتى يحكم بأجزاء الاتيان به عن الواقع مع الانكشاف ، لكنه يمكن ان يقال في حل الاشكال والحكم بالاجزاء ثبوتا بعد قيام الدليل عليه اثباتا بوجهين :

الاول انه وان كان الحكم الظاهري متأخرا عن الواقعي بمعنى كون الشك فيه أو الجهل به مأخوذا فيه لكنه يمكن ان تكون في متعلقه باعتبار الشك أو الجهل بالحكم مصلحة في عرض مصلحة الواقع . بحيث كان الاتيان به من الشاك والجاهل بالحكم الواقعي مثل الاتيان بالواقع من العالم به في كونه محصلا للطبيعة المأمور بها ووافيا بالغرض المتعلق بها من غير تفاوت في ذلك بينهما اصلا بحيث لا يبقى لفعلية الواقعي بالاضافة إليه بعد علمه بالواقع وكشفه لديه مجال مطلقا كما لا يخفى .

ج1 ص 226 :

 [ بالخصوص على عدم وجوب صلاتين في يوم واحد . تذنيبان : الاول : لا ينبغي توهم الاجزاء في القطع بالامر في صورة الخطأ ، فإنه لا يكون موافقة للامر فيها ، وبقي الامر بلا موافقة أصلا ، وهو أوضح من أن يخفى ، نعم ربما يكون ما قطع بكونه مأمورا به مشتملا على المصلحة في هذا الحال ، أو على مقدار منها ، ولو في غير الحال ، غير ممكن مع استيفائه استيفاء الباقي منها ، ومعه لا يبقى مجال لامتثال الامر الواقعي ، وهكذا الحال في الطرق ، فالاجزاء ليس لاجل اقتضاء امتثال الامر القطعي أو الطريقي للاجزاء - بل إنما هو لخصوصية اتفاقية في متعلقهما ، كما في الاتمام والقصر ، والاخفات والجهر . ]

الثاني انه يمكن ان يقال : ان الحكم الظاهري بالاضافة إلى الشاك والجاهل انما يكون في عرض الواقع بالاضافة إلى العالم به ، نظير الاضطراري بالاضافة إلى الاختياري في صيرورة المضطرين صنفا غير صنف المختارين . وان تكليف كل منهما مغاير للآخر ولا ينافيه شمول الحكم الواقعي للجاهلين واخذ الجهل به في موضوع الحكم الظاهري ، بعد عدم فعليته بالاضافة إليهم ، وقصور ارادة البعث بالنسبة إليهم ، وذلك لعدم التنافي بين إجزاء الاتيان بمتعلق الحكم الظاهري في حال الشك أو الجهل بملاك كونه تمام المأمور به في هذا الحال بحيث كان ذاك التكليف تكليفا واقعيا في حقه ، وبين شمول الحكم الواقعي له واطلاقه بحيث لو علم به لصار فعليا في حقه وتنجز عليه بعد عدم فعليته في حقه وعدم تعلق ارادة البعث نحوه في حقه ، والوجه في سوق الحكم الواقعي مطلقا بعد عدم ارادة البعث به اما ان يكون باعتبار عدم امكان اخذ العلم في موضوعه الا على وجه دائر ، أو باعتبار كون الحكمة فيه انه لو علم به لتنجز عليه ، ومع فرض

ج1  ص 227:

[ الثاني : لا يذهب عليك أن الاجزاء في بعض موارد الاصول والطرق والامارات ، على ما عرفت تفصيله ، لا يوجب التصويب االمجمع على بطلانه في تلك الموارد ، فإن الحكم الواقعي بمرتبته محفوظ فيها ، فإن الحكم المشترك بين العالم والجاهل والملتفت والغافل ، ليس إلا الحكم الانشائي المدلول عليه بالخطابات المشتملة على بيان الاحكام للموضوعات بعناوينها الاولية ، بحسب ما يكون فيها من المقتضيات ، وهو ثابت في تلك الموارد كسائر موارد الامارات ، وإنما المنفي فيها ليس إلا الحكم الفعلي البعثي ، وهو منفي في غير موارد الاصابة ، وإن لم تقل بالاجزاء ، فلا فرق بين الاجزاء وعدمه ، إلا في سقوط التكليف بالواقع بموافقة الامر الظاهري ، وعدم سقوطه بعد انكشاف عدم ] التقيد يكون كونه مكلفا بالواقع محتاجا إلى دليل آخر غير دليل الواقع ، وبالجملة لا شبهة في دلالة ادلة الاحكام الظاهرية على الاجزاء ، وذلك مطلقا اعم من ان تكون من الاصول أو الامارات ، وكون لسان الامارات لسانا حكائيا عن الواقع لا يضر في دلالة ادلة ، حجيتها على ان العمل على طبقها يجزي عن الواقع ولو انكشف الخلاف ، فانها تدل على ان مؤداتها من مصاديق الطبيعة المأمور بها كما لا يخفى كالاصول بلا تفاوت اصلا ، فلا وجه لتفصيل المنصف قدس سره بين الاصول والامارات ، كما انه لا وجه للتفصيل بين كون جعل الامارات بنحو السببية أو الطريقية ، ضرورة ان القول بالاجزاء وعدمه يدور مدار دلالة الدليل وعدمها ، وان عنوان الموضوعية والطريقية خارج عن مدلول الدليل ، ويكون حكمة للجعل في مقام الثبوت ، نعم ان قام الدليل من الخارج على ان الحكمة في جعل الامارة هي الطريقية ، وكان دليل الاعتبار ظاهرا في الاجزاء ، لابد من رفع اليد عن ظهوره ، لا انه يخرجه عن الظهور ويوجب اجماله ، كما انه ان لم يكن له ظهور في الاجزاء وقد قام الدليل الخارجي على الموضوعية والسببية ، كان ذالك قرينة على ارادة الاجزاء ، وموجبا لحمله عليه ان كان له اطلاق ، والحاصل

ج1 ص 228 :

 [ الاصابة ، وسقوط التكليف بحصول غرضه ، أو لعدم إمكان تحصيله غير التصويب المجمع على بطلانه ، وهو خلو الواقعة عن الحكم غير ما أدت إليه الامارة ، كيف ؟ وكان الجهل بها - بخصوصيتها أو بحكمها - مأخوذا في موضوعها ، فلا بد من أن يكون الحكم الواقعي بمرتبته محفوظا فيها ، كما لا يخفى . 

http://muhammadrezaei.ir